مدوّنة الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب القباطي
زَكَاةُ الفِطْرِ حِكَمٌ وَأَحْكَامٌ
الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب | Associate Professor Dr. Muneer Ali Abdul Rab
20/05/2020 القراءات: 2658
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أمّا بعد؛ فإنّ العبادات في الإسلام لها حِكَمٌ كثيرة، منها: أنّها تنظّم علاقة العبد بربّه، وتقوّي إيمانه، وتزكّي نفسه، وتكفّر خطاياه وذنوبه، وغيرها من الحِكم. ومن هذه العبادات: زكاة الفطر، والّتي من حِكمها أيضًا:
أنّها طهرةٌ للصّائم من داء البخل والشّحّ.
وطهرة للصّائم من اللّغو والرّفث.
وطُعمةٌ للمساكين، وإغناءٌ لهم عن السّؤال يوم العيد.
وأنّها تجبر نقصان الصّوم.
وتنمّي مال المزكّي.
وتفتح له أبواب الرّزق.
وترسّخ أواصر المحبّة والأخوّة بين الفقراء والمساكين.
وتتجلّى بعض هذه الحِكم بما ثبت عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنّه قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» رواه أبو داود.
أحكام زكاة الفطر
سوف نتناول بعض الأحكام المتعلّقة بزكاة الفطر بإيجاز، نقتصر فيها على الرّاجح من الأقوال، وقد نعرّج أحيانًا إلى ذكر الخلاف من دون إسهاب؛ تسهيلًا للقرّاء الكرام.
حكمها: تجب زكاة الفطر على كلّ صغير أو كبير، حرّ أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين، لديه فضلٌ من المال يزيد عن قوته وقوت عياله في يوم العيد وليلته، يخرجها عن نفسه، وعمّن تلزمه؛ لحديث ابن عمر في صحيح البخاري وغيره، أنّ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، وَالحُرِّ وَالمَمْلُوكِ».
مصرِفها: الفقراء والمساكين؛ لقول ابن عبّاس المتقدّم، وفيه «... وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ». قال ابن القيّم: وكان من هديه -صلّى الله عليه وسلّم- تخصيص المساكين بهذه الصّدقة، ولم يكن يقسّمها على الأصناف الثمّانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه. وذهب الجمهور إلى أنّ مصرفها، هو مصرف زكاة المال الثّمانية؛ للآية الكريمة (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)) سورة التّوبة. لكنّ الآية عامّة في جميع مصارف زكاة المال، والحديث خصّص مصرف زكاة الفطر. ولا يجوز دفعها إلى من تجب على الإنسان نفقته.
مقدارها: صاع من شعير أو تمْر أو زبيب أو بُرّ أو أُرز أو ذرة، ممّا يعدّ قوتًا للبلد أو غالب قوت البلد؛ لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- في الصّحيحين «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ». (أقِط): أي اللّبن المجفّف. والصّاع يساوي أربعة أمداد، والمدّ ملء كفّي الإنسان المعتدل، أي اثنين كيلو ونصف تقريبًا، ومن زاد فهو خير له. ولا يجوز إخراجها نقدًا عند جمهور الفقهاء. قال أبو داود: قيل لأحمد، وأنا أسمع: أعطي دراهم -يعني في صدقة الفطر- قال: أخاف أن لا يجزئه؛ خلاف سنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-. قال ابن قدامة المقدسي: ولا تجزئ القيمة؛ لأنّه عدول عن المنصوص (فرض رسول الله ...الحديث). وقال النّوويّ: "قال الشّافعيّ والأصحاب: لا يجزئ إخراج القيمة، وبه قال الجمهور". وأجاز بعض الفقهاء إخراج القيمة، لكن التزام ظاهر النّصّ في الواجب المعيّن هو الأولى؛ احتياطًا للدّين، ولأنّ الأصل في العبادات التّوقيف. ولا حجّة في قول بعض الفقهاء الأجلّاء أنّ النّقود أنفع للفقراء والمساكين؛ لأنّ هناك مصادر أخرى لسدّ احتياجاتهم، كصدقة التّطوّع، والهبات وغيرها. لذا ينبغي الالتزام بما حدّده الشّارع الحكيم. والله أعلم
وقتها: تجب زكاة الفطر بغروب شمس آخر يوم من رمضان، فلو ولد للإنسان ولد بعد مغيب الشّمس ليلة العيد لم تلزمه فطرته، وإنّما تستحبّ؛ لفعل عثمان بن عفّان -رضي الله عنه-، وإذا مات الإنسان قبل غروب الشّمس ليلة العيد لم تجب فطرته أيضًا؛ لأنّه مات قبل وجود سبب الوجوب. والسُّنّة إخراجها قبل صلاة العيد، ويجوز تعجيل إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لفعل ابن عمر وغيره من الصّحابة، كما ثبت في البخاري. ومَن أخّرها عن صلاة العيد، أثِم، وعليه التّوبة والقضاء. والله أعلم
مكان إخراجها: البلد الّذي وجبت عليه فيه، قال ابن قدامة في المغني: يفرّقها في البلد الّذي وجبت عليه فيه، سواء كان ماله فيه أو لم يكن؛ لأنّه سبب وجوب الزّكاة، ففرّقت في البلد الّذي سببها فيه. إلّا إذا استغنى عنها فقراء أهل بلدها، جاز نقلها.
والله أعلم
نسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم، وأن يعفو عنّا ويرحمنا ويغفر لنا ويعتق رقابنا من النّار.
زكاة الفطر، حِكَم، أحكام.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع