من مرتكزات البحث العلمي عند الغربيين
دكتور حسن أبو الخير | Dr. HASSAN ABULKHAYR
05/06/2020 القراءات: 2978
بحسب ما اطَّلَعْتُ عليه من أبحاث كتبها غربيون في العلوم العربية أو شرقيون نهلوا من مشاربهم، تنبهت لعدة أسس بنى عليها هؤلاء وأولئك منهجهم البحثي، وهي ثلاثة أسس:
1- مبدأ "الشك والتشكيك" الذي يتبعه كثير ممن يعمل منهم في البحث العلمي، باستخدام كلمات: ربما، أظن، أقرب، يبدو، خَطَرَ،...إلخ.
وليس بعَجَبٍ تلقِّي الباحثُ معارفَه بعدم التسليم والقبول المبدئي، فإنه مغروز في البشرية جمعاء، فمنذ متى يسلِّم الإنسان عقلَه وقلبَه لِمَا يأتيه من معارف وعلوم وأخبار من الوَهْلَة الأولى؟ بل يبقى الشك والريب فيه لا محالة.
ولكن دور العالم أو من يتسمَّى باسم "الباحث" هو البحث عن الحقيقة والوصول إلى اليقين؛ فإن الباحث لو ازداد علمه لترك الشك ووصل للجزم، فالعلم يلد اليقين، والجهل يلد الشك.
وأما أن يتخذ الطريق الأكثر إثارة للشكوك فوق ما هي عليه، ثم يتركها ويرحل، فأين هذا مما يسمى "البحث العلمي" الذي تشدقوا به عشرات بل مئات السنين، وألقو به في وجه كل مخالف لهم ليسكتوه، وزينوا به وساوسهم وتشكيكاتهم.
وتشكيكاتهم تملؤ الأوراق؛ وتُنفد المحابر، في كل المجالات، وعلى كافة الأصعدة؛ ما بين علماء وأفكار وكتب ورسائل وتاريخ ووقائع وأسماء وأعمال ... إلخ.
ويكفينا للتدليل على هذه المرتكزات الثلاثة جمعاء مطالعة دائرة المعارف الإسلامية، التي أَلَّفها المستشرقون، في كل موادها، فلم تبق ولم تذر.
2- وأُخية هذا الطريق "الغرامُ بشواذ الآراء وزلَّات العلماء"، بالبحث والتنقيب في كل غَثٍّ وسمين، من غير اعتبار لحجج ولا براهين.
وجعل هذه الشواذ معتبرة، بل أصولًا يصل بها إلى هدم المستقر الثابت، وله شواهد تفوق الحصر.
وغالب النفوس مجبولة على الخروج عن الإلف، والإنبهار بالجديد، وذوو الرعونة منهم يصدِّقونه ويهللون له ويضربون له الطَّبْلَ، وهذا فعل الحمقى والهوجاء.
وأما ذوو العقول الرجيحة والفهوم النجيحة فيزنون هذا الشاذ الغريب بالقسطاس المستقيم، فيسبرون حججه وبراهينه، إن كان له ذلك، فإن بان رسوبها وظهر بوارها، ألقوها وراء ظهورهم وأكملوا مسيرهم.
فما بالنا بمن ينقِّب عنها ويفتش عَسَّها، فإن ظفر بها أذاع صيتَها ونشر طيَّها، ويضفي على فعله المَشِين وطريقه المَهِين اسم "البحث العلمي". ولسان حاله قول أبناء زماننا: "جاب الذيب من ذيله".
1- وثالثة الأثافي "الانتقائية" فيما يرد عليه من أبحاث، فلا يقع نظره فيها إلا على المعفون، ولا يجول فكره إلا على الرديء، دون إلمام جوانب القضية، وإحاطة فروع المسألة، وعطف آخرها على أولها، وانتهاض أوسطها بأطرافها. فيختار ما يهواه ويناسب مراده، دون مراعاة باقي الكلام أو مراد الباحث والعالم.
فما أيسر التهويل وأسهل التضخيم، لكل ما هو قليل وشأنه حقير، وما هذا إلا فعل ذوي المآرب الفاسدة والنوايا السيئة.
أما السليمة فطرهم المصقولة جبلهم، فإنهم يلتمسون الشمولية وينهضون بالجزئية، وإن أعياهم المخرج لرديء الكلام وساقط القول، وحرَّجهم ضميرهم السكوت عنه، فإنهم يكرُّون على البحث كله بالثناء على صحيحه وتقويم سقيمه، ويعتبرون السياق ويأخذون بالمساق، ويحسبون الزمان وما كان فيه من وَقْعِ الكلام، ومناسبة القيل الذي دعا إلى هذا المقيل. وبهذا تتحقق النَّصَفَة، وتوضع اللبنة في الثغرة، ليكتمل بنيان المعرفة.
فحاصل هذه الأسس الثلاثة التي سار عليها الغربيون ومعهم بعض الشرقيين أنها نقيض ما ينبغي أن يكون، وأنها لا تبني فكرًا قويمًا، ولا تربِّي جيلًا سويًّا، بل هي معول هدم، وحفرة وأد.
ولا يُغتر برقي حضارتهم المادية، فهذا له أسبابه مَنْ أخذ بها حصلت له بغير مجاملة ولا مزاينة، وقد كانت قديمًا لغيرهم الصينيين والهنديين والفارسيين والروميين، ومن قبلهم للكلدانيين والبابليين والترك والقبط، ومن بين هؤلاء وأولئك للمسلمين، وستعود إليهم بإذن رب العالمين.
البحث العلمي، الغرب، الشرق، الشك، التشكيك، شواذ الآراء، الانتقائية، دائرة المعارف الإسلامية.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
وليس هذا فقط فهم يخرجون بنتائج ولم يطلعوا على ماعند المسلمين وما وصل اليه المسلمون. آخر ماقرأت احدهم قام ببحث في أصل الصلاة عند المسلمين. بحث عند اليهود وعند الفرس وعند النصارى وبعض الامم السابقة ليخرج بنتيجة ان صلاة المسلمين في عددها خمس وفي طريقتها انها اخذت عن هؤلاء.فعلقت عليه فهل بحثت عن صلاة ابراهيم عليه السلام؟ وهل بحثت عند المسلمين نفسهم كيف وصلتهم الصلاة؟ وهل علمت ان الصلاة عند المسلمين كانت خمسين صلاة في اليوم وليس خمسة التي تظن انها اخذت من عند الفرس او كماتدعي؟. ولازلت انتظر رد هذا الباحث. خلاصة القول هم اليوم يدرسون بجدية كتبنا وعلماءنا وعلمنا، وفيهم من يتوفق الى الحقيقة وفيهم من له أهداف مغرضة. ورغم ذلك فقد بدأالمسلمون يكتبون بلغتهم ويصفون الامور بطريقة اسلامية صحيحة.
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة