مدونة د. محمد أحمد مجتبى السيد أحمد


منزلة أبي الفتح عثمان بن جني في علوم اللغة

د. محمد أحمد مجتبى السيد أحمد | Mohamed ahmed mojtaba


06/03/2025 القراءات: 26  




لقد تفضل المولى تبارك وتعالى على هذه اللغة العربية الشريفة بعلماء أجلاء شيدوا علومها وذادوا عن حياضها، وتمرسوا بها حتى بلغوا منزلة عظيمة فيها، ومن أبرز أولئك الأعلام الأفذاذ؛ أبو الفتح عثمان بن جني الذي استطاع بثاقب ذكائه ودقة ملاحظته أن يستنبط من استقراء كلام العرب ضوابط عديدة لقواعد اللغة العربية، وتمكن من وضع مباحث في اللغة لم يسبق إليها؛ لأن معرفته باللغة وأصولها كانت معرفة واسعة .
وقد درس أغلب المشكلات الكبيرة والصغيرة التي أثارت اهتمام النحاة خلال أكثر من قرنين من التأليف النحوي، وأدلى فيها برأيه، وبرع في علم الصرف فما أحد أعلم منه به، ولا أقوم بأصوله وفروعه، ولا أحسن أحد إحسانه في تصنيفه، وهذا جعله يؤلف كتباً في الصرف صارت مصدراً اعتمد عليه كل من جاء بعده ولم يزيدوا عليه شيئاً يذكر، ولذلك وصف ياقوت هذه الكتب بقوله:
"... كتباً أبرَ بها على المتقدمين وأعجز المتأخرين"
وقد نبه ابن جني إلى ضرورة الحرص على وضع أصول للنحو مثل أصول الفقه وأصول التوحيد، وقد بذل في ذلك جهداً كبيراً، تجلت ثمرته في كتابه (الخصائص)، الذي حاول أن يؤسس فيه لأصول النحو العربي، وقد وفق إلى تشييد جزء كبير من أركان هذا العلم، قال مشيراً إلى ذلك في كتابه ( الخصائص):
" وذلك أنا لم نر أحداً من علماء البلدين، تعرَض لعمل أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه"
ومن مباحثه التي اهتدى إليها؛ الاشتقاق الأكبر، وهو أن يؤخذ أصل من الأصول الثلاثية ويعقد عليه، وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً، تجتمع التراكيب الستة على معناه، قال في الخصائص ذاكراً تفرده بهذا المبحث: "هذا موضع لم يسمه أحد من أصحابنا غير أن أبا علي رحمه الله كان يستعين به، ويخلد إليه، مع إعواز الاشتقاق الأصغر، لكنه مع هذا لم يسمه، وإنما كان يعتاده، عند الضرورة، ويستروح إليه، ويتعلل به، وإنما هذا التَلْقِيب لنا نحن "
ولعل المبحث الذي ناقش فيه أصل اللغات ونشأتها من أهم المباحث التي أوردها في كتابه (الخصائص)، وتفوق فيه على أقرانه، وأثر على من جاء بعده، حتى علماء اللغة المحدثين؛ الذين أعجبوا بتعريفه للغة، وهو ذلك التعريف الجامع المانع، للغة "هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" ولم يضيفوا جديداً ذا شأن على هذا التعريف، رغم التقدم العلمي والتكنولوجي الذي وفرَ لهم معدات وإمكانيات ومعارف، لم تكن قد وجدت في عصر ابن جني .
والحق أن ابن جني أحب اللغة العربية، فكان أيةً في علمه بأسرارها من نحو وصرف، ودلالة، وقد سلك في مؤلفاته أنماطاً من البحث والتفكير، فيها يمزج العلم الصحيح والرواية الواسعة بالعقل السليم والذكاء المتفرد، وهذا ما جعل له مكانة عند السابقين واللاحقين، وصنع له مجدا خالدا باقيا ما بقي الدهر.


علوم- اللغة العربية - أبو الفتح - المنزلة اللغوية - ابن جني


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع