الصحة النفسية والعقلية للانسان رهان استراتيجي في هندسة العمران لما بعد جائحة كوفيد19؟
أ.د عبد السلام خالد | Pr: Abdeslam Khaled
13/12/2020 القراءات: 3001
لا يمكن تصور وجود الانسان خارج الطبيعة او خارج الفضاء العمراني، فالإنسان بتفاعل بكل ما يحيط به سلبا وايجابا. لذلك فالحياة في المدينة وهندسة العمران كما تأكدها الكثير من الدراسات العلمية تؤثر في حياة الانسان، في طريقة تفكيره، سلوكياته وعاداته بشكل مباشر وغير مباشر. كما تؤثر على العلاقات الاجتماعية وعلى نظرة الانسان لنفسه ولغيره وللطبيعة والحياة. بل كثيرا ما كانت مصدرا للكثير من الظواهر النفسة والسلوكية وحتى الامراض الأوبئة المختلفة، نتيجة العدوى التي تنتج عن التلوث بسبب جهل او لامبالاة السكان بالجانب الصحي في الفضاءات العمومية، داخل العمارات والأحياء وفي الطرقات والإدارات وغيرها. فقد أكدت الكثير من الدراسات، العلاقة الموجودة بين الضغوط النفسية، القلق الانهيارات العصبية، الإحباطات، القلق والغضب وغيرها من الانفعالات وبين الحياة في المدينة وما تتميز به من هندسة عمرانية وتسارع في وتيرة الحياة داخلها خاصة في المدن الكبرى والعواصم العالمية لا سيما ما تشهده من ازدحام واحتكاك بين الناس في الفضاءات العمومية والإدارات والمحلات التجارية إلى جانب الازدحام المروري والضجيج والتلوث وغيرها. علما ان الانسان من اجل صحته النفسية والعقلية في حاجة إلى الراحة والهدوء والطمأنينة والشعور بالأمن، الأمان والانتماء. وعليه، نتيجة لتفشي وباء كورونا كوفيد 19 بشكل لافت للانتباه داخل المدن أكثر من الأرياف في كل دول العالم نتيجة للأسباب السابقة الذكر أصبحنا جميعا نطمح إلى وضع تصور جديد للتصاميم العمرانية لما بعد الوباء تراعي فيها الكثير من الحاجات النفسية والعقلية للإنسان، في حياته الفردية والجماعية. وهنا تتاكد لنا أهمية توفير المساحات الخضراء بين العمارات والأحياء والشوارع الواسعة وفضاءات اللعب المفتوحة التي تتناغم وتتجاوب مع طبيعة النفس البشرية الميالة الى الجمال والاخلاق والقيم. لتحقق لهه اشباعا للكثير من حاجاتها النفسية وتغذي فيها روح التفاؤل والامل في الحياة. وفي هذا الاطار اكدت الكثير من الدراسات أن عقل الانسان في حاجة إلى الاحتكاك بالطبيعة والتفاعل الاجتماعي لاشباع الحاجة إلى الفضولية الطبيعية. ونشير هنا إلى تجربتين أولهما تجربة أجراها مخبر BMW قيجنهايم (Guggenheim) في نيويورك وبرلين ومومباي والتي اكدت أن الأشخاص تنتابهم مشاعر إيجابية على حافات المساحات الخضراء وفي الطرقات التي تتوفر على واجهات مفتوحة ونشطة. وفي تجربة ثانية أيضا أجريت من قبل عيادة الحي السعيد (Cabinet Happy city) في فان كوفير(Vancouver)، أكدت أن الحدائق والفضاءات العمومية الأخرى عندما يتقاسمها السكان تعزز شعورهم بالرفاهية وتقلل من الضغوط النفسية وتضاعف من الشعور بالانتماء وتقوي الثقة في الاخرين.(Codra 28/02/2019). يضاف إلى ذلك أهمية توفير فضاءات مفتوحة وشوارع واسعة داخل المدن وبين الاحياء للعب وممارسة النشاطات الرياضية والترفيهية للسكان بما يحقق الشعور بالرفاهية والسعادة أكثر فأكثر لديهم. وهو ما ينشط دورتهم الدموية ويقوي مناعتهم النفسية لتنعكس إيجابا على مناعتهم البيولوجية. لان أصل الحياة الصحية والسوية تقتضي ضرورة النشاط والحركة للانسان أما السكون والجمود هي رمز الموت واللاحياة. وعليها فالهندسة العمرانية لما بعد وباء كوفيد 19 تتطلب مستقبلا ضرورة مراعاة كل أبعاد الصحة العقلية والنفسية للسكان بما يضمن لهم التوازن النفسي والتفاعل الاجتماعي والاطمئنان والأمن والسلامة من كل الاخطار والتهديدات سواء كانت اوبئة، جوائح او كوارث طبيعية او انحرافات سلوكية واجتماعية. ولعله يمكن القول أن من فوائد جائحة كورونا أنها كشف عيوبنا ولاانسانية الكثير منا، لتدفعنا من جديد إلى التفكير في ضرورة إعادة مراجعة الكثير من القيم الحياتية التي مازالت تتحكم في قناعاتنا، تفكيرنا وتصرفاتنا، لا سيما القيم المادية، والمصالح الشخصية على حساب المصالح العمومية، الانانية وحب الذات وغيرها، وتنبهنا الى أهمية تعميق القيم الروحية، الأخلاقية وتلك التي ترقى بكرامة الإنسان فير منظومة تفكيرنا عاداتنا لتكون لها الأولوية في كل شيء آخر. الى أن تصبح سعادة انسان، رفاهيته، صحته النفسية والعقلية هي المحور الأساسي والاستراتيجي في كل اهتماماتنا، تفكيرنا و غاية كل مشاريعنا التنموية المستقبلية إذا أردنا الخير للبشرية جمعاء. أ.د خالد عبد السلام قسم علم النفس جامعة محمد لين دباغين سطيف2 الجزائر
الصحة النفسية، الصحة العقلية، الانسان، هندسة العمران، جائحة كوفيد19
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
موفقين انشاء الله
مواضيع لنفس المؤلف