مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي


المنهج النبوي الوقائي من الامراض المعدية

د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a


23/06/2020 القراءات: 4840   الملف المرفق


(المنهج النبوي الوقائي من الامراض المعدية)
غني عن البيان ان حق الحياة يعد الحق الأول الذي به تبدأ سائر الحقوق, فحفظ النفس يعد من اهم الضروريات بعد حفظ الدين ,كما ويعد من المقاصد الشريعة بل من الضروريات والاصوليات الاساسية الجوهرية الخمسة سواء بالشريعة الاسلامية ام بالشرائع السماوية السابقة لأنه يتعلق بوجود الشخص وقوام الحياة , لذا اهتمت الشريعة الإسلامية بالإنسان وبصحته وجاءت بمنهاج كامل للوقاية من الامراض المعدية .
فالشريعة الإسلامية شريعة متوازنة متكاملة جاءت لتنظم شؤون الدنيا والآخرة وتعنى بحياة الفرد والمجتمع، فكان الانسان محورها وهدفها وغايتها ووسيلتها , لذا أولت في بنائها لصحة الإنسان وسلامته وعافيته عناية فائقة واعتبرت ذلك مقصداً من مقاصدها, فتعددت مظاهر اعتنائها به ومنها الاعتناء بالطهارة والنظافة, فقد اعتبرت الطهارة شعار المسلم ومنهاجه في حياته وسلوكه اليومي الذي لا يحيد عنه وهي تشمل طهارة البدن والثوب والمكان والقلب, فجاءت أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل اليدين قبل أن توضع في آنية الوضوء، حفاظاً منه على طهارة اليدين من الأوساخ ، وحفاظاً منه كذلك على عدم تلويث الماء حتى لا تتأذى صحة الإنسان.
وهكذا جاءت الآيات القرآنية والاحاديث النبوية المعجزة مبينة اتباع منهج سليم وقائي كأسلوب للحياة وبمنهج يحد من عدوى الامراض , وهو ما اكده الطب الحديث الان بالتجارب العملية , فينبغي اتباع هذا المنهاج والالتزام به من اجل التحصن من الامراض الوبائية , وقد اضحى الاخذ بهذه التدابير مسؤولية تضامنية تقع على عاتق الفرد من عدم التعرض لأسباب انتقال المرض المعدي، كما تقع المسؤولية ايضا على عاتق الدولة بما يجب عليها من وضع التدابيرالاحترازية الوقائية كفرض الوقاية الصحية ونحوها.
وقد جاءت الشريعة الإسلامية بتطبيقات مختلفة لهذه التدابير الوقائية الشرعية , ومن هذه التدابير التي مصدرها السنة النبوية, كراهة النفخ في الإناء أو التنفس فيه, والذي ثبت علميا ومن خلال التجربة العملية أنه قد يتسبب في تلوثه بهذه الطريقة, فالعلة والمعجزة النبوية الخالدة جاءت بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تبريد الطعام أو الشراب بالنفخ فيه وقاية للإنسان من مخاطر المرض , وحكمة النهي عن النفخ في الإناء والشراب تعد من باب النظافة ومن مكارم الأخلاق ,لأن النافخ في آنية الماء قد يؤدي الى انتقال بعض الجراثيم المسببة للأمراض الوبائية الفتاكة مثل الأنفلونزا بأنواعها المختلفة كإنفلونزا الطيور والخنازير وحمى الملاريا وفيروس الأيبولا وفيروس كورونا (covid19).
كما جاءت الشريعة الإسلامية بتطبيقات اخر لمكافحة انتشار العدوى للأمراض المعدية وذلك بكراهة البصاق على الأرض في الأماكن العامة , حيث جاء النهي الوارد في الحديث الشريف عن البصاق في الأماكن التي يتخللها الناس لخطورته عليهم ,كما ان من طرق وقاية الماء من التلوث النهي عن وضع اليد في الإناء إلا بعد غسلها ثلاثا ، اذ جاء النهي النبوي بإجراء وقائي بمنع اليد التي تلوثت أثناء النوم عن وضعها في الإناء إلا بعد غسلها ثلاثا لأنها قد تسبب في نقل الجراثيم, ومن الطرق الاخرى لمكافحة العدوى الجرثومية هو منع التلوث بلعاب الكلب اجلكم الله, لهذا جاء الإرشاد النبوي بتنظيف الوعاء الذي ولغ فيه الكلب بغسله سبع مرات إحداهن بالتراب .
وجاء الإرشاد النبوي ايضا بالنهي عن التبول والتبرز في موارد المياه العامة , لأنه من المسلم به أن ذلك يعد من أخطر وأشد العوامل المسببة لتلوث الماء حيث ينتقل كثير من الأمراض المعدية كالكوليرا وحمى التيفوئيد والتهاب الكبد والتهاب الأمعاء والبلهارزيا وغيرها, ولذلك فإن الوقاية دائما تكون أفضل من العلاج ، وفي هذا جاءت الاحاديث الشريفة التي حثت الوقاية وذلك بتغطية آنية الطعام والشراب والنهي عن الشرب من في السقاء حفاظا على صحة وسلامة الإنسان من التلوث بالجراثيم .
ولقد جاءت الحكمة الالهية بالتحريم الرباني لبعض الاطعمة الضارة فحرم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وهي الحيوانات أو الطيور مأكولة اللحم التي أغلب أكلها النجاسات فيحرم أكلها فضلا عن اصناف اخر ورد فيها التحريم, فالأوامر الالهية والاحكام الشرعية كلها جاءت من اجل مصلحة العباد فكلها تدور في فلك واحد وتدور معه وجودا وعدما من اجل تحقيق مقاصد الشريعة الاسلامية في حفظ النفس ,وهذا ما توصل اليه الطب الحديث اخيرا واكد على اضرار تلك المحرمات وخطورتها على الصحة وتصديقا لقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير...) سورة المائدة/3.
كما كان للمنهج النبوي السبق في اخذ التدابير فقد جاء في الاثر ما يقتضى بمنع قدوم المريض مرضا معديا على الصحيح لان من البديهي أن قدوم المريض على الأصحاء سبب لنقل المرض, وبهذا فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخروج من الارض التي وقع بها الطاعون أو الدخول فيها لما في ذلك من التعرض للوباء، وحتى يمكن حصر المرض في دائرة محددة، ومنعا لانتشار الوباء، وهوما يعبر عنه الان بالحجر الصحي, ومن هنا نعلم أن الإسلام حافظ على صحة الإنسان , اذ ورد انَ الرَسُولَ قال (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) اخرجه مسلم.
وبهذا توضح عظمة التشريع الإسلامي وإعجازه وسبقه كل الاكتشافات العلمية الحديثة في بيان التدابير الوقائية الشرعية المستقبلية التي تقي الإنسان الإصابة بالأمراض المعدية, فتبين لنا كثرتها وتنوعها, وبهذا خلصنا الى ان الواجب اولا التوكل على الله والثقة به كذلك يجب الحذر والأخذ بأسباب الوقاية من المهالك, فضلا عن عدم نقل المرض للغير حتى يمكننا حصر المرض والتغلب عليه.
واخيرا نسجل من هذه القراءات المتواضعة دعوتنا الى ضرورة الاعتماد على المنهج النبوي الوقائي وعده منهج حياة متكاملة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .


المنهج النبوي الوقائي الأمراض المعدية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. سعادة الدكتور أوان عبدالله محمود.. حفظك الله ورعاك.. لقد رددتنا إلى النبع الصافي، والمنبع العذب، ورويتنا منه، وربطت حياتنا المعاصرة بحياة قدوتنا وامامنا عليه الصلاة والسلام.. الذي ماترك من خير الا وحثنا عليه، ولا شر الا وحذرنا منه، فقد كان يحب امته صلى الله عليه وسلم، وعلى الامة ان تبادله حبا بحب، ونتيجة الحب الاقتداء بالمحبوب وتقليده. جزاك الله خيرا وبارك الله فيك وزادك الله علما وتقى ورفعة يادكتور.