د. آدم أحمد آدم


النضال الافتراضي والمناضلون الافتراضيون، حقيقة أم وهم:

د. آدم أحمد آدم | Dr. Adam Ahmed Adam


29/01/2022 القراءات: 2930  


لا شك أن الشبكات الاجتماعية أصبحت تشكل عالماً افتراضياً للكثير من الناس بل أنها باتت مرآة تعكس واقع الكثير من المجتمعات ولو بشكل افتراضي، ومع ظهور ثورات الربيع العربي التي بدأت في تونس ثم امتدت لتشمل العديد من البلدان العربية كمصر وليبيا وسوريا واليمن والسودان برز ما يسمى بالنضال الافتراضي أو المناضلون الافتراضيون حيث تحولت شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك إلى أدوات للاستقطاب السياسي وتوجيه الرأي العام وساحة للنضال ضد الأنظمة الحاكمة، وأسهمت هذه الشبكات في تأسيس رأي عام جديد وافتراضي لا يخضع بأي شكل من الأشكال للرقابة من أي أحد سواء كانت رقابة النظام الذي يحكم أو رقابة الأحزاب السياسية من خلال المبادئ التي تفرضها على المنتمين لها. ولكن السؤال المهم هنا: هل أصبح النضال الافتراضي بديلاً عن النضال الواقعي؟ الإجابة على هذا السؤال تحمل عدة أوجه، فمن ناحية نعلم جميعاً أن النضال الافتراضي أصبح يمتلك أدوات فعالة ولا يمكن الاستغناء عنه هذه الأدوات تمكن الفاعلون في المجال الافتراضي من التعبئة والتنسيق وحشد الجماهير بصورة سريعة جداً مقارنة بما كان يحدث في الماضي، ولكن من ناحية أخرى يرى البعض أن النقبات والاتحادات المهنية لا زالت هي المحرك الأساسي للأحداث على أرض الواقع، وما بين هذا وذاك يمكننا القول أنهما أي النضال الافتراضي والواقعي مكملان لبعضهما البعض وعلى هذا الأساس يمكن القول أن النضال على أرض الواقع هو الأصل، في حين أن ما اصطلح على تسميته بالنضال الافتراضي هو عنصر يعكس ما يجري بأرض الواقع افتراضياً هذا إن أُحسن استغلال شبكات التواصل الاجتماعي كأداة من أدوات النضال. ولكن للأسف فإن هناك العديد من المثقفين الافتراضيين أو الذين يدعون النضال اكتفوا فقط بالكتابة واستغلوا شبكات التواصل الاجتماعي لتصفية الحسابات السياسية والحزبية واغتيال الشخصيات وأحياناً إثارة النعرات العنصرية والدينية وغيرها بعيداً عن القضايا الوطنية، كما ان الفضاء الافتراضي يمتاز بسرعة الحشد وسرعة انفضاضه في نفس الوقت، فمن الممكن أن يتفق ملايين الناس على فكرة أو قضية ما على مواقع التواصل الاجتماعي ويؤيدونها إعجاباً وتعليقاً ومشاركة، ولكن عندما تأتي لحظة التنفيذ على أرض الواقع كالمشاركة في مظاهرة أو وقفة لدعم هذه القضية تجد أن هذه الملايين تلاشت بصورة كبيرة. إذاً يمكن القول أن الفعل الافتراضي فعل سريع وانفعالي وسريع الزوال والتفاعل معه يكون بنفس المزاج السريع المنفعل، لذلك فإنه قول لا يرسخ طويلاً في العقول ولكنه لسرعته وتقلبه يمنح وهماً بالتأثير على الناس، فالمناضل الافتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي مثل الشخص الجالس في الركن البعيد في المقهى والقابض لوحة المفاتيح ويصنف كل شيء حسب هواه ومزاجه بمعنى تمييع مجهودات الآخرين دون أن يكلف نفسه عناء البحث أو تقديم بديل يُذكر، هذا المناضل حول شاشة الكمبيوتر إلى شارع ثوري استبدل به فكرة النزول إلى الشارع الحقيقي والصراخ في وجه عدوه السياسي، وهنا يقول الروائي والفيلسوف الإيطالي أمبرتو إكو: أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع وكان يتم إسكاتهم فوراً، أما الآن فلهم الحق في الكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل، إنه غزو البلهاء. د. آدم أحمد - أستاذ الإعلام والاتصال المساعد - جامعة أم درمان الأهلية


نضال افتراضي _ شبكات اجتماعية _ مناضلون _ ثورات _ فعل سياسي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع