كتاب قرأته، بقلم الدكتور ناهض طه القيماقجي: 101 امر تعلمته في مدرسة العمارة
ناهض طه القيماقجي | Nahedh Taha Al-Qemaqchi
11/10/2020 القراءات: 2892
كتاب قرأته، بقلم الدكتور ناهض طه القيماقجي:
101 امر تعلمته في مدرسة العمارة
لمؤلفه ماثيو فردريك (Matthew Frederick) الذي نشر بطبعته الاولى عام 2007، لقد استهل المؤلف كتابة بملاحظة مهمة اذ يقول: "قليلة هي الحقائق التي تقدم الى طالب العمارة، فالمنهج المعماري كثيرا ما يكون مربكا وجامحا، متضمنا لساعات عديدة ونصوص مكثفة وتعليمات متكررة، اما الدروس المعمارية المقننة (والتي هي كذلك في اغلب الاحيان)، فهي مفعمة بالعديد من الشروحات والتحذيرات التي غالبا ما تحمل تساؤلات عن ماهية الامور الملموسة التي يمكن تعلمها في العمارة ككل".
ان ضبابية التعليمات المعمارية التي تقدم في مدارس العمارة عادة ما تكون ضرورية، فالعمارة اولا واخيرا، حقلا خصبا من حقول الإبداع ومن الصعوبة بمكان لأي مدرسة تصميمية تقديم توجيهات صارمة تقتل تلك العملية، ولذا غالبا ما تكون تلك التوجيهات مفتوحة النهاية تتيح للطالب طرق مجالات جديدة ومناطق غير مأهولة، لكنها في ذات الوقت تثير لديه شعورا بانه يقف على تربة هشة وليس على ارض صلبة.
وبذلك يبدا المؤلف بحثة عن الامور التي يمكن ان تقدم لطالب العمارة ما يتيح له البحث عن تلك الملموسات التي تقوي الارض تحت اقدامه مستخلصا اياها من تجربته الخاصة في التعليم المعماري مستحضرا معاناة الطلبة في تعلمهم لحرفة العمارة.
يبدا المؤلف بالقضايا الاكثر عمومية ووضوحا منتقلا بصورة تدريجية الى تلك القضايا المجردة والاكثر خصوصية في مجال المهنة، وهو بذلك يحاكي الانتقال في هرمية التعليم المعماري من الافكار والمعاني الصلدة والتي لا تحتاج الى وقفة طويلة لفهمها واستيعابها من قبل الطالب، الى الافكار الاكثر تعقيدا وتجريدا. ويحاول المؤلف صياغة تلك القضايا بشكل نصائح مفيدة للمصمم يأتي بعضا منها منصبا في قالب ادوات الإظهار ولغة الجرافيك التي يستخدمها المصمم ويأتي الاخر في قالب من التوجيهات التصميمية التي تساعد المصمم في قولبة افكاره وجعلها اكثر صلادة.
ورغم ان العديد من تلك القضايا تشكل مفاتيح للمصمم المعماري يستطيع من خلالها التمكن من حرفته الا اني احب هنا ان اعرض لخمس منها، والتي وعلى الرغم من بساطتها، فقد وجدتها من اكثر القضايا التي تساعد على زيادة حرفية المعماري طالبا كان ام محترفا.
القضية الاولى: اذا كنت لا تستطيع شرح فكرتك للآخرين بلغة مفهومة فانت لا تعرف عم تتكلم.
يحاول العديد من المعماريين والطلبة بل وحتى الاساتذة في مرسم التصميم المعماري استخدام لغة معقدة بمفردات غريبة (وغالبا لا معنى لها) في شرح افكارهم التصميمية لغرض جذب انتباه الاخرين، لا تحاول تقليدهم، فالمصمم المتمكن من عمله هو الذي يتمتع بالقدرة على التواصل مع الاخرين وهو الذي يستطيع التعبير عن افكاره بوضوح وسلاسة بلغة يفهمها الجميع.
القضية الثانية: تأتي كفاءة المصمم في حل المشاكل التصميمية من قدرته على نقد افكاره.
يعني التفكير الفوق - معرفي (Meta Thinking) قدرة الفرد على النظر الى ما يفكر فيه ونقد افكاره، ان المصمم الجيد هو الذي يكون دوما سباقا الى النظر الى تفكيره من خارج ذهنه وهو الذي يحاول ان يتقمص شخصيات عديدة يتمكن بواسطتها من نقد انتاجه، وهو الذي يصطنع حوارا داخليا مع فكره ويحاول مجادلته كي يتمكن من تقويمه.
القضية الثالثة: المعماري الجيد هو الذي لا يخشى من القاء الافكار الجيدة جانبا.
ان وجود فكرة جذابة تحوز رضا المصمم وهو يقوم بعملية التصميم ليس معناه نهاية المطاف، يجب عصف الذهن واختبار كل الاحتمالات الممكنة وتمحيص المقترحات بروية كي يتحقق الهدف في تصميم اجمالي جيد، وليس ذلك معناه دمج افكار جزئية جيدة مع بعضها البعض لان ذلك لا يؤدي بالضرورة الى ان تتفاعل تلك الافكار مع بعضها البعض بجودة.
يجب النظر الى التصميم كمؤلف يقوم بإنتاج كتاب او كملحن ينتج قطعة موسيقية تعمل فيها جميع الآلات بتناسق عالي ولا يتخطى احدها الاخر والا كانت نشازا.
القضية الرابعة: الغنى في العمارة يأتي من توضيب البساطة وليس من تراكم الاشياء
لا يكمن الجمال في العمارة في محاولة تعقيد الشكل بدون مبرر، فالاعتدال في استخدام العناصر والابتعاد عن كل ما هو غير ضروري يؤدي نفس الغاية من دون اسراف، وفي اغلب الاحيان يأتي تراكم وحشر العناصر في التصميم الواحد بنتائج عكسية.
القضية الخامسة: التصميم من خلال المقاطع العمودية
المصمم الجيد هو الذي يعمل بالتبادل ما بين المخططات الافقية (Plans) والمقاطع العمودية (Sections) بحيث يسمح لكل منها التعبير عن الاخر، وبالعكس فان المصمم الضعيف هو الذي يركز في تصميمه على انتاج المخططات الافقية وتكون لديه المقاطع توثيقا لما تم تقريره مسبقا.
من الاوفق ان ندع كل منها يعبر عن المبنى ، فالعديد من المباني وخصوصا تلك التي تتموضع على حافات المنحدرات، او تلك التي تحتاج الى اهتمام خاص بارتفاع او انارة فضاءاتها الداخلية تتطلب الاهتمام بالمقطع العمودي قبيل المخطط الافقي، فاذا كان الاخير تعبيرا عن التنظيم الفضائي والعلاقات الوظيفية البراغماتية فان المقطع العمودي هو اداة التعبير عن شعور واحساس الافراد في الفضاء.
ان اللغة السلسة للكتاب وبساطة العرض وصياغة الفقرات بشكل يساعد القارئ على الانتقال بهدوء من البساطة الى الصعوبة والابتعاد عن اللغة الاكاديمية المعقدة في العرض كل ذلك قد جعل من الكتاب واضح المعالم وذو فائدة جمة للمتعلم البسيط المبتدئ كما هو للخبير المتقدم.
والمؤلف اذ يقدم الماحاته المائة وواحد تلك فهو يستعرض بها تجربته الغنية في التعليم المعماري في اكثر من جامعة في الولايات المتحدة الأميركية وينوه الى ان ما يتعرض له طالب العمارة هو نفسه في اغلب مدارس العمارة، ولذا يكون هذا الكتاب بمثابة حزمة من النصائح والتوجيهات التي تساعد طالب العمارة في تلقي معرفة كافية بما يتوجب عليه القيام به لتحقيق تصميم افضل وتجنب العديد من المنزلقات التي لا موجب لها.
العمارة، التصميم المعماري، التعليم المعماري
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة