السوريون في زمن الكورونا...
الدكتور شاهر إسماعيل الشاهر | Prof. Shaher Ismael Al-Shaher
18/10/2020 القراءات: 3547
عاش السوريون عقداً زمنياً هو الأصعب في تاريخ سورية، فكانت الحرب التي أدت إلى تدمير بنيتها التحتية وأفرزت أزمات كثيرة: اجتماعية واقتصادية وأمنية. وبدأ السوريون يشعرون بالثمن الباهظ لنفقات الحرب الذي أدى في النهاية إلى أزمة اقتصادية خانقة، أزمة مركبة تعود أسبابها إلى توقف عجلة الإنتاج والدمار الكبير الذي شهده القطر، بالإضافة الى بروز فساد كبير لم تعد البلد قادرة على تحمله وتجاهل وجوده. وبرزت ظاهرة تجار الحروب لكنهم مغلفين هذه المرة بعلم الوطن وأكذوبة العمل الخيري. وأصبحوا يتصدرون لائحة رجال الأعمال بعد اقصائهم لرجال الأعمال الوطنيين المنتجين، فكانوا رجال أعمال لم نعرف من أعمالهم سوى الارتزاق ومص دماء السوريين، ولم يحملوا من الرجولة أية قيمة.
واستمرت الضائقة الاقتصادية الناجمة عن ضياع أموال خزينة الدولة نتيجة لعدة أسباب، أهمها:
- الفاتورة المرتفعة لاستيراد حاجة القطر من المحروقات نتيجة السيطرة على حقول النفط من قبل داعش وباقي التنظيمات الإرهابية المسلحة.
- السياسات النقدية المشكوك فيها، أو غير المفهومة على أحسن تقدير والتي أدت الى ضياع قسم كبير من احتياطي الدولة من العملة الصعبة عبر سياسات "الضخ" والعلاقة غير الشرعية بين المصرف المركزي وشركات الصرافة.
- ضياع مبالغ كبيرة على خزينة الدولة نتيجة لوجود المعابر غير الشرعية وعدم ضبط الحدود مع دول الجوار، وهذا أخطر من التهريب بكثير، فكميات التهريب تكون محدودة بينما عدم ضبط الحدود مشكلة كبيرة سببها الفساد وعدم الخوف من المحاسبة واعتقاد البعض أنهم فوق القانون.
- التهرب الضريبي بشكل كبير، نتيجة لهفوات قانونية معينة، أو بسبب فساد الرقابة وعدم وجود قانون عادل للضريبة ما جعل التكليف الضريبي قائم بشكل أساس على ذوي الدخل المحدود الذين بدؤوا يعيشون الفقر نتيجة سياسات الافقار غير العادلة.
- سياسة تمويل الصادرات التي أعطت التجار الحق بشراء الدولار بسعر المركزي لتمويل مستورداتهم وبيع المستوردات واحتسابها بالسعر الرائج للدولار، وهو ما أسهم بارتفاع الأسعار بشكل كبير وأدى الى تضخم ثروة هؤلاء الفاسدين بشكل كبير وسريع.
- مراكز تجميع السيارات، التي لم تكون سوى طريقة لاستيراد قطع الغيار والتهرب الضريبي ضمن القانون.
ثم جاءت أزمة فيروس كورونا، وكان من الطبيعي أن تترافق بمستوى معين من الركود الاقتصادي نظراً لتراجع مستوى الانتاج، فازدادت النفقات وارتفع مستوى الأسعار في ظل غياب الرقابة وعجز وتقصير حكومي لم يعد مبرراً والشعب لم يعد قادراً على تجاوزه. كل هذا جعل السوريون يلجؤون إلى بيع مدخراتهم فأصبحنا نعيش أزمة حادة قابلها فشل أو تقصير حكومي جعل السيد الرئيس يتدخل شخصياَ ويضع يده على الملف الاقتصادي رغم أعبائه الكبيرة نتيجة الحرب متعددة الأشكال التي يتعرض لها القطر، فكان اجتماع السيد رئيس الجمهورية العربية السورية مع الفريق الاقتصادي المكلف بمواجهة فيروس كورونا وقدم سيادته مقاربة لمواجهة الوضع الوبائي الراهن ورؤية اقتصادية تشخص الواقع الناتج عن:
1- الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها النظام الصحي في سوريا نتيجة الوباء.
2- التكاليف الاقتصادية والتداعيات المالية الكبيرة نتيجة لتوقف عجلة الإنتاج وازدياد النفقات.
3- الآثار المترتبة على الاجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة السورية في استراتيجيتها لمكافحة الفيروس.
ومن خلال تحليل كلمة السيد الرئيس، نجدها تركز على ستة أبعاد رئيسة:
١- البعد الاقتصادي: حيث ركز على التشدد بموضوع الرقابة التموينية وإيجاد تشريعات رادعة كما جرى سابقاً مع موضوع الاتجار بالدولار، ومحاربة المضاربة ومنع استغلال ظروف الازمة من قبل بعض التجار، عبر تفعيل دور مؤسسة التجارة الداخلية، والتوسع بالأسواق الشعبية لإلغاء الوسيط بين الفلاح والمواطن، وأكد سيادته أن الاقتصاد سيكون أول ضحايا كورونا التي رتبت علينا أزمات متفاقمة. وأن هناك من يكسب الملايين ولا يخدم الإنسانية بشيء، فهؤلاء لا يستحقون الاحترام.
٢- البعد الصحي: حيث يجري العمل على توفير الموارد اللازمة للحجر الصحي وتأمين العلاج اللازم لجميع المواطنين. وهنا نشير إلى أن الأطباء والعاملون في مجال الصحة يستحقون أكثر مما هم عليه.
٣- البعد الأمني: حيث اعتبر سيادته قضية الوباء قضية أمن وطني يجب التعامل معها بجدية وحزم مطلق لكي تبقى تحت السيطرة ومنعها من التفشي.
٤- بعد مجتمعي: حيث بين سيادته أهمية الرهان على دور المواطن ووعيه عبر الالتزام بالإجراءات الحكومية والتقيد بتعليمات الحجر الصحي والالتزام بقواعد الحماية الشخصية. فالوقاية تنقذ الأرواح أكثر من التدخل في اللحظة الأخيرة، كما أن الكثير من البشر يحتاج للثقافة والتوعية.، فالموت لا يميز بين الأديان أو المذهب أو العرق أو الجنس أو اللون أو الطبقة التي ينتمي إليها الفرد، فالجميع في مركب واحد إن نجى نجونا جميعاً.
٥-البعد الاعلامي: عبر محاربة الاشاعات الكثيرة والحملات الاعلامية الممنهجة التي استهدفت وتستهدف شعبنا ووطننا. فشبكات التواصل الاجتماعي لها إيجابياتها، لكنها أيضاً وسيلة لإحداث الفوضى وبث الذعر في النفوس. ودعا الحكومة إلى التواصل والشفافية مع المواطن، فالسلوك الاتصالي السليم ليس أن تبرر فقط القرارات التي اتخذت ولكن أن تبرر أيضاً القرارات التي لم تتخذ.
٦- البعد الدولي: حيث يجري التنسيق مع الدول لاتخاذ الاجراءات الاستثنائية المشتركة انطلاقاً من أن مكافحة الوباء مسؤولية جميع الدول، وعلى الرغم من ذلك فإن معدل التضامن العالمي لمواجهة الوباء لا يزال أضعف بكثير من معدل انتشار الفيروس.
٧- البعد التكنولوجي: حيث أكد سيادته على أهمية استخدام التكنولوجيا والعلم، فالأمم المتقدمة تكنولوجياً هي وحدها من ستنجو من هذه الأزمة، فكل عمل غير مؤتمت لن يفي بالغرض ولن يحقق أية قيمة مضافة. لذلك لابد من التركيز على مشروع البطاقة الذكية والتوسع فيه رغم الهفوات التي انتابت تطبيقه، فطالما الفكرة صحيحة وضرورية فإن التطبيق سيكون أفضل بعد تلافي الثغرات
الكورونا- العالم مابعد كورونا
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع