مدونة د. اشواق غازي الياسري


القارئ وانفتاح التأويل في النص القصصي قراءة في قصص (الموت رسماً) لكامل فرعون

د . اشواق غازي الياسري | dr. ashwaq ghazi al- yasiri


07/12/2024 القراءات: 57  


القارئ وانفتاح التأويل في النص القصصي قراءة في قصص (الموت رسماً) لكامل فرعون إن مشاركة القارئ في عملية انتاج المعنى تقود إلى انفتاح نظرية عامة للنص ، فالنص فضاء مفتوح ، يقوم القارئ بالمشاركة في صناعته عبر عملية دلالية واحدة تتأتى من اندماج القراءة والتأليف ، فتبدو اللذة هنا عبر دور القارئ كصانع ومشارك في العملية الذهنية والوجدانية أو بالمعنى المجازي في استعادة حياة النص بعد ان تأكد موت المؤلف . وهذا ما ذهب إليه رولان بارت . من هنا تبدأ عملية قراءة رافضة لمطابقة الواقع مع ما يُقرأ، محررة الكاتب من قيود الدلالة فتكون له الحرية في اللعب بالعلامات لتقيم النص المؤلف من " الفهم، التأويل، التقييم " ويبدو أي نص وفق هذا المعنى نصا مفتوحا مع الوسيط التعبيري الذي يظهر في " اللغة ، الشخصيات ، الزمان ، المكان" . فتشكل برمتها علامات صغرى ، بينما يظهر العمل الأدبي المدروس العلامة الكبرى . تجترح قصص كامل فرعون في مجموعته القصصية الثانية: " أفتش عن وجهي في أقدام الشارع " حشد من العوالم تحيل إلى واقع منظور لكن سرعان ما يخرج المعنى من الواقع إلى جدار اللغة عبر رموزها في " الجملة ، الحروف ، الصور " التي استطاعت ان تفصح عن الارتباط بين الخطاب وظروفه من خلال البناء اللغوي بما يزخر به من زمان ومكان وضمائر وأسماء إشارة وصيغ تربط الخطاب بالواقع وتحيل عليه فضلا عن استثمار النص لتقانات أخرى التي وظّفت السرد والمونتاج والانتقالات فيبدو المعنى في النص " هو مجموع احالاته الواقعية بينما تظهر القراءة بوصفها تأويلا يعمد إلى " إقامة الإحالة وتأسيسها " على وفق استراتيجية منتظمة. في الموت رسما تحيل علامة " الرسم " إلى عالم غير مرئي يؤسس إحالته من لوحة تكعيبية ينفتح من خلالها خطاب المحكي باستعارة حية يسبغها على النص بتوظيف أفعال لها دينامية من خلال علامات تضج بالصوت " الشارع ، الاقدام ، الوجه " وهو الدال الرئيسي الذي يفتتح المجموعة لتتفرع من خلاله عدة دوال إحالية تؤسس المعنى لأربع عشرة قصة ،لكل أولئك الذين يضعهم الكاتب في خطاطة قصصه لنفتش عنهم في زمن الحاضر . إذ نلمح انسراب النص نحو قاعة لدرس الرسم وهناك مظهرا طبيعيا وحياة وجمال لكن سرعان ما ينفتح النص؛ فيسحب الجماد شيئا من الروح ، فيكون (أرخيوي) الطائر الذي تربى في بيت الراوي كلي العلم في سرد إحداثه بلغة شعرية . جاءت ممتزجة بالواقعية السحرية عبر إشارات الصور واللغة والزمان والمكان وبتشكيل متسلسل: " المعلم ، الدرس ، الألوان ، القلم ، دفتر الرسم " وكلها معطيات حية وظفت بالتفات الكاتب لانتقالات زمنية جاء بعضها على شكل استرجاعات خارجية وأخرى انثيالات لا واعية في ذاكرة الشخصيات . ان لوح الرسام مجسم لشكل قريب اتخذ صورة الطائر الذي يرقد في الماء ، وجليسته تأتي في الصباح الباكر باللبن في إحالة واضحة لدوال المعنى . (الصباح الباكر) وهما يلتقيان في بياض اللوحة ، فيتقطع السرد بين مفتاح الحكي اللبن الذي يعود إلى خارج زمن الخطاب : " كان صوت المعلم رخيما في طلبه . أخرجت كراسة الرسم من حقيبيتي ... عند أخر كلمة نطقها المعلم قلبت الصفحة ، قلم الرصاص بيدي وعيناي تلتهمان البياض المفارق ... " ليبدأ زمن أخر هو زمن القصة . قصة طير تستمر على مدى صفحتين في أمد زمني غير محدد ، يبدأ بصباح الدرس ليتوزع شاغلا عدة أيام كما ذكرها الراوي محددة ـبـ(( في صباح دافئ جأتني بالطير ، قضى أيامه نائما لا يأكل ، وبعد أيام ، شكوته إلى صاحبته في إحدى زياراتها الصباحية ، في مساء اليوم ذاته )) حتى يتقطع زمن القصة متداخلا مع زمن الخطاب والعودة إلى أول النص في صباح اليوم نفسه ، يصلني صوت المعلم خافتا وهو يحدد انتهاء الوقت المقرر ... حينها يفاجئنا الراوي بتحول العلامات اللونية " من إحالة تؤسس لواقعة ما إلى حقيقة ماثلة تفصح عن عملية قراءة خارجة عن قيود الواقع فيفصح النص عن لذة تبدو من المشاركة الوجدانية والذهنية بين عملية التأليف والقراءة للحدث ليصنع القارئ من خلالها حياة للنص الجديد في انفتاحه على عوالم أخرى . إذ يمد المعلم يده إلى عمق اللوحة ليسحب الطير من سجنه المرسوم ويلقي به خارج اللوحة التي تماهت مع النافذة لتنقل الطير من الموت إلى الحياة ، فيأخذ الطالب درجة كاملة لذلك الخيال الذي تجاوز رغبات أهله ويفاجأ القارئ للنص بأن الدمع وهو علامة للفرح والنجاة ــــ في مسرح ذلك الرسم ــــ يلتقط عبر علامات دالة على وجود الطائر))محا نيث سماء عيني ، ما كتبته ليظل المكان خاليا إلا من رائحة أسماك لا تطاق )) فحذف الدال وابقى المدلول . وعلى الرغم من مجازية الواقعة نلمح تحقق جزءا من القصة في الرسم حينما استعار الكاتب من الحقيقة الحية أحساس السارد الذي شف بالدمع تعبيرا عن الفرح ، ماحيا ما كان يؤلم من فقد حيث فأجاه المعلم بقلب الواقعة المجازية إلى واقع أخر وبذلك انفتح التأويل في بياض الصفحة إلى " النافذة" التي شاركه التلاميذ في النظر إليها ، ورسم النهاية الثانية لخياله.


القارئ التأويل النص


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


كامل فرعون قاص بصري له اسهامات مميزة في القصة ، له ثلاث مجاميع قصصية وكتابان مطبوعان ((جماليات الشكل القصصي ، و كتاب اخر عن الخطاب السردي في القصة القصيرة