مدونة أستاذ دكتور منى كامل تركي- استاذ القانون الدولي العام


جرائم الإتجار بالبشر والاستغلال الجنسي والتصرف بالأعضاء البشرية

أستاذ دكتور منى كامل تركي | Prof. Mona Kamel Tourky


17/10/2020 القراءات: 1014  


خلق الله الإنسان وكرمه واستخلف في الأرض فقال تعالى: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (([1]) فالاستخلاف في الأرض عبادة لله عز وجل وإن مخالفة هذا النهج هي سبب لما يحدث للإنسان من شقاء بقوم به بعض الأفراد أو الجماعات بسلبهم أغلى النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، والاعتداء على أمنه وطمأنينته في سلامة جسده بالقتل أو بالتعذيب أو البغاء أو الاستغلال أو القسر أو انتهاك أعضائه البشرية عدواناً وقهراً أو استعباد الإنسان بالرق أو بيع أعضائه، ومنذ وجد الإنسان على وجه الأرض احتاج إلى نظام يكفل لكل ذي حق حقه والى قانون يعرف به الإنسان حدود صلاحيته وحدود غيره، واقتضت حكمته في خلقه أن لا يدع الناس لعقولهم القاصرة، لذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليقوم الناس بالقسط وأصبح الوحي الإلهي دستور الإنسانية كلها، يحفظ عليهم دينهم ونفوسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم، ويحقق لهم سعادة الدنيا والآخرة([2])
عملت الشريعة الإسلامية على صيانة حقوق الإنسان وقداستها وعدم انتهاكها وحفظ العدل والنظام فى مجتمع ما لذلك وجدت ضرورة تعزيزها بعقوبات رادعة تردع المجرم الذى ينفلت من الالتزام العقيدي والإيمانى ليتبع هواه ونزعاته ويؤذى الآخرين والمجتمع ويتضح ذلك في قوله عز وجل: )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(([3]) فالتشريع الجنائي يستقي من واقع المجتمع ويتجاوب مع قيمه وعقيدته وتقاليده الأصلية النابعة من شرعه الحنيف، باعتباره المرآه التي تعكس القيم الأخلاقية السائدة في المجتمع، واعتنى التشريع الجنائي بالجريمة وحدد الأسس التي بموجبها يعد الفعل جريمة، وعلى ذلك فيعد الإتجار بالبشر ثالث أكبر تجارة غير مشروعة في العالم بعد الإتجار غير المشروع بالسلاح والاتجار بالمخدرات، كما يعد أحد أشكال الجريمة المنظمة عبر الوطنية، فلا توجد أي دولة في العالم بمنأى عن هذه الجريمة، وتبين التقديرات الدولية أن الأعداد من الرجال والنساء والأطفال المتجر بهم عبر الحدود الوطنية يدور حول مليون شخص سنوياً، وأكثرهم يتجر بهم لأغراض الاستغلال الجنسي، فالإتجار بالبشر بكل أشكاله عملاً إجرامياً، لما يرتبط باستغلال الضحايا وإجبارهم على ممارسة البغاء الذي يعتبر من أقدم المهن في العالم ولا يمكن القضاء عليه نهائياً ولكن يمكن القصر منه
ووفقاً لذلك أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة في 11 نوفمبر 2006 قانوناً شاملاً بشأن مكافحة الاتجار بالبشر رقم (51) لسنة 2006 وفرض هذا القانون عقوبات شديدة تصل إلى السجن مدى الحياة على مرتكبي جرم الاتجار بالبشر، على اعتبار ان الاتجار بالبشر تجنيد أشخاص أو نقلهم أو ترحيلهم أو إيوائهم باستخدام التهديد أو القوة أو الخداع أو الإغواء بقصد الاستغلال، وقد أجريت العديد من المحاكمات وصدور الأحكام في قضايا الاتجار بالبشر بدولة الإمارات العربية المتحدة وتشير الإحصائيات إلى تضاعف عدد القضايا التي يتم ضبطها سنوياً منذ عام 2006، ومن أجل توضيح خطورة هذا النوع من الجرائم على المستوى المحلي والدولي ارتأينا توضيح جريمة الاتجار بالبشر وصورها وخصائص تميزها عن الجرائم الأخرى، وكذلك جرائم التصرف بالأعضاء البشرية والاختطاف والاستغلال الجسدي والجنسي للإنسان
مفهوم الإتجار بالأعضاء البشرية وخصائصها
ومع التطور الذي عرفه المجال الطبي أفرز عنه ما عرف اليوم بالتصرف بالأعضاء البشرية بنقل أو استئصال وزرع الأعضاء ليس بهدف العلاج بحسب ولكن لأهداف البيع أو المقايضة أو الإتجار مقابل مبالغ مادي طائلة، وقد يكون الضحية على علم بهذا النقل للأعضاء البشرية لمواجهة الفقر، وقد لا تكون الضحية تعلم بما يحدث وتم انتزاع الأعضاء البشرية منه قهراً بدون موافقته وعلمه، مما يترتب على ذلك جريمة الاعتداء العمدي على سلامة الجسم وارتكاب الطبيب لجريمتي السرقة والجرح المفضي إلى عاهة مستديمة، وقد تصاعدت أدوار عصابات الاتجار بالأعضاء البشرية في بعض دول الإقليم، وظهر ذلك في مصر والسودان وليبيا والمغرب والجزائر واليمن ولبنان وسوريا والأردن والعراق وتركيا، وبيعها في السوق السوداء، لا سيما مع تحالفها مع المافيات الإجرامية في مجالات أخرى، بحيث تضم الشبكة أساتذة جامعات وأطباء وأعضاء هيئة تمريض وأصحاب مراكز ومختبرات طبية ووسطاء وسماسرة وأرباب سوابق ومنتحلي صفات أمنية، وهي تجارة عابرة للحدود الرخوة، لا سيما في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة، واشتعال جبهات الصراعات الداخلية العربية، وتزايد متطلبات ضخ تمويلات للتنظيمات الإرهابية، فضلا عن عوامل أخرى ترتبط بالظروف الاقتصادية الضاغطة، والأرباح المالية التي تحققها تجارة الأعضاء البشرية، وغياب التشريعات الرادعة، فان جسم الانسان حرمه سواء كان حياً أو ميتاً فلا يرخص في انتهاك حرمته بدعوى احياء نفس اخرى وان الانسان لا يملك جسده فلا يملك ان يبيعها لان جسده ملك الله تعالى وان ولاية الانسان على جسده هي ولاية الحفظ والرعاية فانه لا يملك ان يبيع اعضائه لأنه لا يعتبر مالا ولا يصح التعاقد عليه وانما جسد الانسان بناء بناه الله


الإتجار بالبشر -الاستغلال الجنسي -التصرف بالأعضاء البشرية- جرائم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع