عرفنةُ القيمِ الآخلاقيةِ الموصوفةُ في منظومِ كعبٍ بن زهيرٍ.
الدكتور الناصر ظاهري | Dhahri Naceur
16/05/2021 القراءات: 3261
انتهى البحثُ الإدراكي المعاصرُ الموصول بنظرية الاستعارة إلى إقرار حقيقةٍ جلية قوامها أنّنا ننتواصلُ في كلّ سياقٍ عبر آليةِ التفكيرِ، فالذهنُ يعضدهُ الجسدُ يسهمُ في صياغةِ مخاطباتٍ تيسّرُ للآدميّ أن يعبّر عن حاجياتهِ. ومن ثمّة، لم تعدْ الاستعارةُ زينةً أو زخرفًا لفظيا يُوشّى بها الكلامُ العالي والأدبيّ عامةً. من ذلكَ أنّ تعبيراتنا اللغوية ناشئةٌ عن تصوّراتٍ استعاريةٍ. وهي تصنّفُ عند العرفانيينَ المحدثينَ أصنافا شتّى منها الاستعارةُ الانطولوجية وصنف الاستعاراتِ الاتجاهيةِ وأخرى موسومةٌ بكونها بنيوية. وأنّى يكن من أمرٍ، فقد تخطت الاستعارةُ العرفانيةُ مقولةَ المستعار منه والمستعارُ له، وتداول علماءُ الإدراكياتِ Cognitive métaphor مقولة الإسقاط والمزج، فيكونُ التصوّر المجرّد محسوسًا ينجحُ المتلقيّ في تدبّر المعنى المقصودِ. ومما أُثِرَ عنهم ذكرهم الميدانَ المصدر Source Doain باعتبارها موسوما بالحسيةِ وأكثر ملموسيةً والميدان الهدف Targed Domain وهو مجرد غالبًا. ويجري التعبير الاستعاري عبر مقولةِ الجسدنةِ Embodiment. ونسعى إلى تدبّر الصور الاستعارية الجارية في شعر كعبٍ بن زهير رضي الله عنه من وجهة نظرٍ عرفانية من خلالِ فحصنا بيتًا يفخرُ فيه الشاعرُ بحيائهِ وتجنبه الخنا، إذ يقول:
إنّي امرؤٌ أقني الحياءَ وَشِيمَتي كرمُ الطبيعةِ وتجنّبُ الخنا.
معلوم أن الناظم يفخر بحيائه وعفته بهجره الخنا والفواحش مقابل التزامه الحياءَ بقوله أقني الحياءَ. فقد صدرَت الاستعارةُ الإدراكية من خلال متصوّر التجسيد لقيمةِ الحياءِ, فجعل الحياء في هيئةِ الصديقِ الذي يلازمهُ أبدا ولا يجترحُ فاحشَ الأفعالِ أو الأقوالِ. فقد مزجَ بين المعنويّ ومجال العلاقاتِ البشرية - الصداقة).
وأجمالا، يتاح لنا القولُ إنّ إعادةَ قراءةِ الاستعارةِ من وجهة عرفانية طيّ منظومِ العربِ القدماء تسهم في استخراجِ نتائج مهمّةٍ.
الإدراكيات، العرفانية، المجرد، الجسدنة، المحسوس.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
اخترنا مثالا شعريا واحدا يتحقق فيه جانب من التحقق الإدراكي، فالعرفنة موصولة بتصورات ذهنية للقبض على المجردات من مفاهيم وقيمٍ . فالاستعارة نحيا بها في كلّ تواصلنا وليست عبْءًا يثقل كاهل الخطابِ
إنّ الجسدنة مفهوم عرفاني ملاكه أنّ التواصل اللغوي ينشئُ مفاهيمه ومتصوراته من خلال الجسدِ، فقولنا أنا في قلبِ الحدثِ استعارة تصورية تجعل المتكلم يصوغ المعنى من خلال التفضية، فالقلبُ من الجسدِ الوسط ، وكانت هذه الصورة الاستعارية قد صدرت عن الجسدِ وعن جارحة منه وهو القلبُ تعبيرا عن معنى التوسّط في الفضاء. ومن ثمة يكون التعبير عاميا أو عالما استعاريا موصولا بالمجازِ .