مدونة أ. عمر طلال جيتاوي


دور التحديات في صناعة التفوّق الدراسي

عمر طلال جيتاوي | Omar Tala Jeetawi


20/07/2019 القراءات: 4014  



تعرّف الجمعية الوطنية للدراسات التربوية بأمريكا التفوّق الدراسي بأنه "إظهار الطالب أداء مرموقاً بصفة مستمرة في أي مجال من المجالات ذات الأهمية".
ويعرف القاضي التفوق الدراسي بأنه الامتياز في التحصيل بحيث تؤهل الفرد مجموع درجاته ليكون من أفضل زملائه بحيث يتحقق الاستمرار في التحصيل، ويبدو هنا أن المحك للتفوق الاستمرار في التحصيل، وهو حصيلة أداء الفرد في الامتحانات (القاضي وآخرون، 1981 , 426).
ويعرف عبد السلام عبد الغفار المتفوق بأنه: "هو من وصل أداؤه إلى مستوى أعلى من مستوى العاديين في المجالات التي تعبر عن المستوى العقلي والوظيفي للفرد بشرط أن يكون المجال موضع تقدير الجماعة".
وهذا التعريف له ثلاث جوانب: 1- يرى أن المتفوق هو من وصل فعلاً إلى مستوى معين في أدائه بمعنى أن مؤشر التفوق هو المنجزات الفعلية.
2- أن يكون هذا المستوى أعلى من مستوى العاديين.
3- أن يكون هذا الأداء في مجال عقلي تقدره الجماعة التي يعيش فيها الفرد ويكون التحصيل الدراسي هنا هو المؤشر الرئيسي لتحديد المتفوقين.
وينص التعريف الإجرائي للتفوق الدراسي هنا على أنه: قدرة الطالب على الحصول على درجات عليا في نتائج الإمتحانات وفقا للمعايير التي وضعتها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية مقارنة مع أقرانه من نفس الصف الدراسي.
أما التحديات فيرى كتش أن التحدي: أزمة تنجم عن شئ جديد ويأخذ صفة المعاصرة لحين ظهور غيره، يولِّد الحاجة لدى المجتمع الذي يندفع بها نحو التغلب عليه ويتطلب تغييراً شاملاً في شتى مناحي الحياة.
ويرى أنيس أن التحدي هو: ذلك الوضع الذي يمثل وجوده تهديداً، أو إضعافاً، أو تشويهاً، كلياً أو جزئياً، دائماً كان أو مؤقتاً لوجود وضع آخر يراد له الثبات والقوة والاستمرار. (أنيس، 2005)
وينص التعريف الإجرائي للتحديات هنا على أنها: أي وضع طارئ يحدث للشخص على المستوى الشخصي أو العائلي أو المجتمعي يؤدي به إلى التعامل معه بسلوك يختلف عن السلوك الذي يتصرف به في وضعه الطبيعي.
يواجه الشعب الفلسطيني يوميا الكثير من التحديات الشخصية والمجتمعية والتي نشأت بسبب الاحتلال الصهيوني للشعب الفلسطيني وما يمارسه من إرهاب يومي يتمثل في قتل الفلسطينيين واعتقالهم وهدم بيوتهم فضلا عن تعكير حياتهم اليومية بسبب الحواجز التي تعيق وصولهم إلى أماكن عملهم وتعليمهم، وهذا الظلم مثلما يقع على الشعب الفلسطيني بشكل عام فإن آثاره تكون مضاعفة على الطلبة والأطفال بشكل خاص مما يترك بالغ الأثر على نفوسهم وتفكيرهم واتزانهم العاطفي والعقلي وبالتالي على حياتهم الدراسية وتعلمهم.
ومع إعلان نتائج الثانوية العامة (التوجيهي) في فلسطين 2019م وفرح أهالي الطلبة في نتائج أبنائهم خاصة المتفوقين منهم؛ فقد أظهرت النتائج وجود نسبة كبيرة من المتفوقين الذي حصلوا على درجات عالية ممن واجهوا تحديات تمثلت في استشهاد آبائهم وأقربائهم نذكر هنا طالبة استشهد والدها وحصلت على معدل 95.3%، وبنات 3 شهداء آخرون تفوقوا بمعدل 99%، وأخرى استشهدت أمها حصلت على معدل 83.6% وابن شهيد آخر تفوق بمعدل 97.3 بالفرع العلمي وآخر حصل على معدل 96.7% ، ومن الطلبة من تعرض لتحديات تمثلت في اعتقال آبائهم وحكمهم بأحكام عالية تجاوزت عشرات السنوات والمؤبدات كابنة أسير حكم ب35 مؤبد وتفوقت بمعدل 97.3% وأخرى حكم والدها ب7 مؤبدات وحصلت على معدل 97.7%، وابنة أسير آخر حصلت على معدل 83.4%، ومن التحديات أيضا إصابة الطلبة في أمراض وإعاقات دائمة كطالب من ذوي الاحتياجات الخاصة أصيب بالشلل الرباعي وتفوق بمعدل 98.3% بالفرع العلمي في امتحان الثانوية العامة، وطالبة أخرى أصيبت بالسرطان وتفوقت بمعدل 97.3%.
ومن النماذج التي لا يمكننا المرور دون تسليط الضوء عليها ابنة أسير أسر والدها وعمرها 3 شهور وحكم عليه ب17 عاما وتوفيّت أمها في نفس السنة، ثم اعتنى فيها جدها إلى أن توفي، واعتنى بها عمها ثم استشهد، وقدمت الثانوية العامة في رعاية جدتها وعمها الآخر وتفوقت بمعدل 92.6%. وهناك الكثير من هذه النماذج المشرقة التي لا يسع ذكرها هنا.
إن تعامل هؤلاء الطلبة وعائلاتهم مع التحديات الصعبة التي تعرضوا لها خلال سنوات تعليمهم خاصة في مرحلة الثانوية العامة إنما تدل على على قوة الإيمان والإرادة وحجم الاتزان العاطفي والفكري الذي يحمله هؤلاء الطلبة والذي مكنهم من مواجهة هذه التحديات وعدم الاستسلام لظروفهم والتعامل معها بإيجابية، وانعكاس ذلك على تطور قدراتهم وتحصيلهم، ويدل ذلك أيضا على الدور الذي تقوم به الأمهات والعائلة في رعاية هؤلاء الطلبة وتعويضهم عما فقدوه ويبرز أيضا دور المجتمع المنتمي في رعاية هؤلاء الطلبة وتأهيلهم ودعمهم لمواجهة هذه التحديات.
المراجع
كتش، العالم العربي على صفيح ساخن دراسة للمنظور التربوي لإشكالية الأصالة والمعاصرة، مركز الكتاب، 1422، ص40.
أنيس فتحي، الإمارات إلى أين..استشراف التحديات والمخاطر على مدى 25 عاماً، مركز الإمارات للدراسات والإعلام, أبو ظبى,2005,ص 15-7.


تفوق دراسي، تحدي، تعلم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع