الإجازات العلمية في الحضارة العربية والإسلامية أهميتها وفوائدها
دكتور قيس فتحي احمد | D.qays Fathi Ahmed
18/11/2022 القراءات: 2822
الإجازات العلمية أهميتها وفوائدها.
الإجازات العلمية مؤشر كبير على التقدم الحضاري عند العرب والمسلمين، وأصبحت ضرورية يحرص عليها العالم لضمان انتشار علمه انتشارا صحيحا سليما خاليا من التحريف والأخطاء, وفي الوقت نفسه ضرورية للمتعلم, ليكون علمه مضبوطا سليما لا يشك في نسبته إليه( ) ويمكن بوساطتها الوقوف على درجة رقي الحركة الأدبية والثقافية والعلمية آنذاك, لطلاب الدراسات في مختلف المجالات وبذلك تصور أعلى درجات المثل الأخلاقية في التربية والتعليم.
والإجازة: هي الشهادة التي يمنحها الشيخ أو المدرس لتلميذه لتخوله حق الرواية والتدريس عنه, وهي بمثابة الشهادة التي تمنحها الجامعات في الوقت الحاضر كما تدل على المستوى العلمي لمن منحت له( ).
ومن منافع الإجازة أنها تسهل على الطالب الحصول على مبتغاه – في بعض المرات- من غير أن يتكلف عناء السفر الطويل أو بذل الوقت والجهد الكبيرين للالتقاء بالعالم الذي يطمح بالحصول على الإذن منه في ما يمتلك من علم. فهي تقرب المسافات بين مختلف الأقطار شرقا وغربا, وفائدتها كبيرة على من لا يجد القدرة في نفسه للسفر الطويل لمرض مانع أو أي شيء آخر( ) كما يمكن للطالب أن يحصل على إجازة في موضوع معين, في حين ما زال يطلب العلم في موضوع آخر ولا تمنح الإجازة للطالب إلا بعد أن يتأكد الأستاذ من استيعابه للعلم, وأنه أصبح مؤهلا لأن يجلس مجلس أستاذه للتعليم والإفادة وللإجازة العديد من الشروط حتى يتم منحها:
1. أن يعرف المجيز( ) الكتاب الذي أجاز التحدث به عنه ويتأكد منه بعينه.
2. أن يتأكد من ثقة المجاز( ), أي إتقانه وحفظه وعلمه وورعه وسائر شروط الراوي.
3. أن يكون الكتاب المنقول بالإجازة أو المناولة من حديث الشيخ المنقول عنه( ) وهذه الإجازة تكون إما مشافهة أو إذناً يكتبها له بخطه, سواء بحضرته أو مغيبه, والحكم في جميعها واحد( ). كما ان هذه الاجازات العلمية كانت على انواع يمكن تفصيل أنواعها بالتالي:.
تنوعت الإجازات العلمية التي يمنحها الأستاذ أو الشيخ وأصبحت تسمى بحسب نوع الإجازة الممنوحة للطالب, وأهم هذه الإجازات:
1- الإجازة بعرض كتاب أو جزء أو عدة كتب.
وهي أن يمنح المجيز للمستجيز إجازة بعرض كتاب في علم من العلوم كالفقه او النحو وغيرهما, بعد أن يكون الطالب قد حفظه وكتبه وتأكد الشيخ من صحة ذلك الحفظ, فهي طريقة معتمدة باتفاق أئمة العلم( ).
2- الإجازة بالمرويات والمسموعات .
وهي إجازة عامة دون تخصيص ولا تعيين لكتب ولا أحاديث كقولهم: ((قد أجزت لك جميع رواياتي ومسموعاتي أو ما صح عندك منها))( )فقد أجاز علي بن ربيعة أبو الحسن التميمي (ت440ﻫ/1048م) جميع مروياته لأبي عبد الله بن الحطاب الرازي( ).
3- الإجازة بالقراءة.
وهي الإجازة الممنوحة للطالب بقراءة القرآن الكريم بأحدى طرق القراءة المعروفة بعد أن يتأكد المجيز من قراءة الطالب للقرآن الكريم بالطريقة المطلوبة وضبط مخارج الحروف وألفاظها.
4- الإجازة بالتدريس.
وهي أن يأذن الأستاذ للطالب أن يُدَرِّس إذا رأى آنه أصبح أهلا للتدريس ويكتب له بذلك وأصبح مبدأ عاماً إذا أراد أحد أن يحترف مهنة التدريس أن يطلب العلم على يد أستاذ مجاز رسميا بتعاطي التدريس( ).
5- الإجازة بالمراسلة.
وهي الإجازة الممنوحة من الأستاذ أو العالم للطالب من غير أن يكون قد سمع منه مباشرة أو رآه وإنما حصل عليها من طرف ثالث جاء بها من عند الأستاذ إلى الطالب، وهذا النوع من الإجازة لا يمنح إلا لشخص ثقة له شهرة عالية ومعروف لدى الشيخ المجيز بعلمه وأمانته ،وقال فيها توكيدا على أن يقولوا: ((أجاز لنا فلان)) ولا يقولوا ((حدثنا)) ولا ((أخبرنا))، وهناك ضرب من الإجازات تسمى الإجازة للمعدوم (للأطفال والذين لم يولدوا بعد) كقولهم: ((أجزت لفلان وولده وكل ولد يولد له أو لعقبه وعقب عقبه))( ) فقد حصل شهردار (ت 483ﻫ/1090 م) على إجازة في السنة التي ولد فيها عن طريق والده أبي بكر بن خلف الشيرازي( ) ويلاحظ مما ورد آنفا إن تلك الإجازات العلمية تتمتع باستقلالية من قبل الشخص المجيز, فضلا عن ذلك فإنها محكومة بنظام خاص مما يشير إلى تطور نظام التعليم وما يؤطره من مثل أخلاقية توارثها الأبناء عن الإباء والأجداد.
6- الإجازة الطبية.
كان الأطباء في بداية عهدهم يكتفون بقراءة الطب على أي طبيب من النابهين في عصره, حتى إذا تمكن من مزوالة الصنعة, باشرها دون قيد أو شرط ( ).
ولما كان الإنسان هو الموضوع في الطب, فان الغلط من الطبيب إذا وقع بالإنسان كان أعظم من أغلاط أصحاب الصنائع الأخرى ولا سيما إذا كان غلطه جسيما( ), ولذا كان لابد من وجود نظام لا يسمح للطبيب بممارسة المهنة إلا بعد اجتيازه امتحانا, فضلا عن الإجازة العلمية التي يمنحها له شيخه( ).
فبعد أن يجيزه أستاذه, يتقدم الى رئيس الأطباء ليمتحنه ويتأكد من تفوقه في علمه وهذا من الأمور الدقيقة التي اتبعها المسلمون( ) ففي زمن الخليفة المقتدر بالله (295-320ﻫ/907-932م) سمع أن غلطا جرى على رجل من العامة من بعض الأطباء, وكان ذلك سنة (319ﻫ/931م), فأمر الخليفة, أبا إبراهيم بن محمد المحتسب( ) بمنع سائر الأطباء من ممارسة المهنة إلا بعد اجتيازهم امتحانا, كما أمر الخليفة المقتدر أن يكون على رأس اللجنة سنان بن ثابت بن قرة (ت331ﻫ/942م) وبعد امتحانهم منح لكل من يصلح لممارسة المهنة إجازة طبية تؤيد ذلك( ) كما عمل المحتسب على مراقبة وتفتيش محال المتطببة وعقاقيرهم ولا يسمح لهم بالعمل إلا بعد التثبت من إجازاتهم الممنوحة لهم( )
الإجازة العلمية. التعليم. الحضارة العربية والإسلامية.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة