سقط القناع عن القناع عن القناع
16/10/2023 القراءات: 899
في كل مجتمع هناك فوارق طبقية وجوهرية، ليس الأمر هنا يتعلق فقط بالشق الاقتصادي وكل ما هو مملوك، لكن الأمر يتعداه لما هو أخلاقي وقيمي، فلم يأتي قول علماء النفس حول تنوع الإنسان واختلافه انطلاقا من هويته، عبثا، بل هناك إنسان ينتمي إلى مجتمع منفتح متفتح، ليس من منظور التفتح على الهاوية ولا إلى الهاوية، وإنما إنسان يقول من أنا من منظوري أنا، وهناك أيضا إنسانا ينتمي لمجتمع منغلق متعلق، ليس ذلك الإنغلاق الذي قد يحوِّل النور إلى ظلام دامس، ذاك الإنسان الذي يقول من أنا ومن هم الآخرون من منظور الآخرين.
فالقيم المجتمعية تتعدى كل الروابط لتتربع على عرش الحياة، ومن يمتلكها يمتلك سعادة الحياة وليست كما يظن البعض أن قيم الإيثار والذوق والأمانة صارت عملات نادرة في عصر عملات الأورو والدولار، فالإنسان بطبعه وخلقته صُهِر متشبعا بالقيم المثلى لكن شوائب الحياة الخبيثة جعلت منه، وليس الكل، عبدا للدرهم والدينار، فصرنا نعيش مصائب يومية لا تعد ولا تحصى ولم يتبقى سوى ثوان معدودة ليتمنى المرء مكان من في القبور عوض العيش وسط حياة الذل هذه.
فالطبيب يتمنى المرض لكل العالم، والمحامي يتوق لكل مشارب الإجرام والحوادث، والإسكافي يريدك أن تمشي على قدميك طويلا كي يتمزق حذاءك، وبعض النساء تتزوج من أجل الطلاق، وآخر هناك وظيفته شاهد زور أمام محاكم جلها تقوم على أساس باطل، كما يقول عازب أشرف على الخمسين، السجون مملوءة بالمظلومين، وزوجتان تتنافسان على إذلال زوجيهما، وإخوة فرقتهم حبة تراب واحد في السطح وواحد في القعر، وصديقين اغتالا بعضهما من أجل صوت دراهم، ورجل أعطاه الله ملكا فأكل الأخضر واليابس وهضم حقوق العباد والمعبود، وقاضي بمحكمة الأرض لا يأكل التبن ولا الدجاج.. لقد أصبحنا في هذا العالم المشؤوم منافقين من الدرجة الأولى وظالمين دون خشية من لا يُظلم عنده أحدا، نغتاب بعضنا البعض دون خجل ولا حياء، تعددت وجوهنا والأقنعة، وصار الصادق فينا منبوذ والمتملق رئيسا للوفود، والمدير الفاشل يترأس اجتماعا لليائسين، يزمجر ويصيح أن المرؤوسين فاشلين، وما عادت تعنينا كلمة حق في وجه ظالم، لقد ماتت ضمائرنا إلا من رحم ربي، ولقد سقط القناع عن القناع عن القناع.
هي القيم المثلى إن فُقِدت فُقِد كل شيء
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع