النحو العربي بين أصالة التراث و دعوى التجديد
أد سعدون أحمد علي جعفر | Dr Saadoon Ahmed Ali
13/03/2022 القراءات: 3301
النحو العربيّ بين أصالة التراث ودعوى التجديد
أ.د سعدون أحمد علي الرَّبَعِيّ كلية الآداب– الجامعة العراقية
شهد الدرس اللغوي العربي انعطافة جديدة منذ ثلاثينيات القرن العشرين على يدي إبراهيم مصطفى في كتابه (إحياء النحو)، إذ نقد نظرية النحو العربي ورأى فيها بُعدًا عن متطلبات الدرس الصحيح للغة، وقصورًا عن التفسير الصائب للكلام العربي، على أن محاولته هذه لم تتأثر بالفكر اللغوي الغربي، ولم تتبنَّ مقولاته لأنه لم يكن من المبتعثين الى الغرب لدراسة اللغة هناك. وفي الاربعينيات من القرن نفسه بدأ المصريون المبعوثون الى الغرب يعودون إلى وطنهم، وطفقوا يبشرون بالنظرية اللغوية الغربية، ويملؤون بها بطونَ كتبِهم مثلما حصل مع إبراهيم أنيس وعبد الرحمن أيوب وتمام حسان وآخرين. وبشيوع النظرية اللغوية الغربية على أيدي هؤلاء اصطرعت في ساحة الدرس اللغوي العربي ثلاثةُ اتجاهات تجديدية:
الأول : يتمثل في نقد النظرية اللغوية العربية من داخل النظرية نفسها، على نحو ما فعل إبراهيم مصطفى في (إحياء النحو)، وأحمد عبد الستار الجواري في (نحو التيسير – دراسة ونقد منهجي) ، وإبراهيم السامرائي في (في النحو العربي – نقد وبناء) ، وشوقي ضيف في (تجديد النحو) ، وعبده الراجحي في (النحو العربي والدرس الحديث – بحث في المنهج) ، ونعمة رحيم العزاوي في كتابه (في حركة تجديد النحو وتيسيره في العصر الحديث).
والاتجاه الثاني: يتمثل في الدعوة إلى عدم الرجوع الى النظرية اللغوية العربية القديمة والاعتماد كليا على أحد النماذج الوصفية الغربية الحديثة كالنظرية البنيوية أو التوليدية التحويلية أو نظرية القوالب أو نظرية النحو النظامي أو النظرية الوظيفية وما إلى ذلك من نظريات لسانية حديثة. ويمثل هذه الدعوةَ اللغويون المغاربةُ ومنهم عبد القادر الفاسي الفهري الذي يرى أن لاضرورة منهجية ومنطقية تفرض الرجوع إلى فكر الماضي وتصنيفاته ومفاهيمه لمعالجة مادة معينة، وأن النماذج الغربية أثبتت كفايتها الوصفية، فليست بنا حاجةــ بحسب ما يراه ــ إلى مزج النماذج الغربية بأنموذج ينطلق من العربية بغية الوصول إلى نحو ( مرقَّم )، إذ إنَّ الآلة الواصفة للغة العربية ــ على ما يراه ــ لا تحتاج الى الفكر النحوي العربي القديم. ولقي هذا الاتجاه ترحيبا واسعًا عند المغاربة ومعظم المصريين .
والاتجاه الثالث: وهو اتجاه توفيقي يتبنى انموذجا وصفيا يزاوج بين مقولات النظرية الغربية الحديثة ومقولات نظرية النحو العربي، وهو ما تبناه أكثر اللغويين المحدثين، ولعل هذا الاتجاه هو ما نسير عليه نحن - اليوم- في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في الجامعة العراقية ، إذ نأخذ في دراساتنا اللغوية بنصيب من تراثنا اللغوي العربي القديم، فضلا على نصيب آخرَ من الدراسات الغربية المعاصرة وبما تقتضيه طبيعة الموضوع المدروس، ونرى أنه لا يمكن إنتاجُ درس لغوي منبتٍ عن التراث اللغوي القديم؛ لأن هذا يمثل ( تغريبًا) ثقافيا يهدد الهوية الثقافية العربية الاسلامية. لذلك زاوجنا في دراساتنا بين التراث والحداثة واستعنا على تجديد النظرية اللغوية القديمة ببعض مقولات الغربيين كسوسير وفيرث وتشومسكي وبايك وياكبسون ودي بوجراند وتطبيقاتهم حيثما بدا ذلك ممكنا ، واطّرحنا في الوقت نفسه ما وجدناه لايتسق وواقعَ لغتِنا العربيةِ وليست بنا حاجة تستدعي الأخذ به.
وبهذا نكون قد حافظنا على تراثنا اللغوي العربي ليكون منطلقنا في البحث العلمي الاصيل القائم على أساس استعادة النظر في النصوص العربية الفصيحة والتنظير بين ما وصل إليه البحث اللغوي العربي القديم، وما يكتشفه طلبتنا الباحثون المعاصرون من مزايا وسمات قد تكون مجهولة عند القدماء، فنكون قد منحنا لغتنا شيئا مما تحتاج إليه اليوم من عناية، وحرصنا في الوقت نفسه على ضبط إيقاع ما آلت اليه الدراسات اللغوية الحديثة ــ ولاسيما الاوربية ــ التي ينبغي لطلبتنا أن يتعاملوا معها بحذر شديد لتكون بمنأى عن أن يُقحموها في تلك المآزق التي لا تخرج منها إلا بتناقضات ليست بالعربية حاجة اليها .
النحو العربي ، التراث، التجديد
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع