مدونة ا.د.عبد المنعم محمد حسين حسانين


أزمة الإنسان العصرية : بين هشاشة العظام والهشاشة النفسية

ا.د.عبد المنعم محمد حسين حسانين | Prof.dr.Abdelmonem Mohamed Hussien Hassaneen


18/10/2021 القراءات: 3133  


أزمة الإنسان العصرية : بين هشاشة العظام والهشاشة النفسية
اعداد
ا.د,عبد المنعم محمد حسين
جامعة الوادى الجديد – كلية التربية
مقدمة :
قد يتساءل البعض هشاشة العظام معروفة كمرض جسدى ولكن ما المقصود بالهشاشة النفسية التى تبدو انها من الأمراض النفسية وما العلاقة بينها وبين هشاشة العظام – فى العصر الحاضر – خاصة فى زمن كرونا ؟
لعل الإجابة عن ذلك السؤال تبدأ من تعريف الهشاشة النفسية والتى تعرضت لها كثير من الدراسات فى الوقت الحاضر والتى اصبحت تمثل ظاهرة ملفته للنظر حيث انها مشكلة شائعة الإنتشار خاصة بين الشباب والفتيات والمراهقين .
تعريف الهشاشة النفسية
أشارت نيرمين ماجد البورنو فى مقال لها بجريدة راى اليوم(29 يونيو 2020 )إلى أن الهشاشة النفسية مشكلة تصيب الكثيرين, وهي ظاهرة صاعدة بين الشباب والفتيات والمراهقين مما تجعلهم عرضه لأن تسيطر عليهم المشاعر السلبية والأزمات النفسية والمزاجية وتدفعهم للتشبث بأي إنسان وتشعرهم بأنه متيم بهم اعجابا وحبا ظنا منهم انه يحبهم بينما بالحقيقة أنه يعوض ضعفه من خلالهم, وما أكثرهم في زماننا هذا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لعل تلك – الإشارة – تصف حجم المشكلة ولا تصف المقصود بالهشاشة النفسية كمرض نفسى حيث يعرف علماء النفس الهشاشة النفسية على انه مصطلح يطلق على شكل من أشكال الاضطراب النفسي والذي يكون فيه الشخص غير قادر على التعايش والتكيف مع محيطة الا بوجود مصدر للدعم النفسي والمعنوي له , وانه حالة غير متزنة يعاني منها البعض مما تجعلهم ضعاف النفس معرضين للتأثر بالعوامل الخارجية كالصدمات نتيجة تعرضهم للضغوط والتوتر المستمر والقلق كونهم لم يتمكنوا من التكيف : وبالتالي يصابون بالهشاشة النفسية.
ومن أسباب تلك الظاهرة ان الشاب أو الفتاة ينشأ في بيئة تتسم بغياب القدوة , وتنتج أيضا بسبب المشاكل العائلية والدراسية ويعود لأصل التنشئة وطريقة الأسرة في تربية أطفالها فتجد الشاب مثلا يقلد أصدقاءه في جمله” خذ سيجارة وانسي” بمعني تجاهل المشكلة دون حلها وبسبب سياسة التخويف التي يلجأ اليها بعض الأمهات لتجهل طفلها يتوقف عن البكاء عند عدم انصياعه للنوم من خلال سياسة الرعب والتخويف اذ تقوم بتقليد أصوات مخيفة أو ايهامه بالأساطير المرعبة “أبو رجل مسلوخة ” و” السلعوة ” و ” غرفة الفئران” اعتقادا منهم ان تلك التصرفات ستجعله هادئا مطمئنا. بل على العكس تلك التصرفات المرعبة تجعله ينام مضطربا إذ يرى الاحلام المزعجة فيصاحبه الخوف والقلق ويزاد الخوف يوما بعد يوم الي ان يتحول الي صعوبة توافق وتكيف مع البيئة المحيطة به , فضلا عن الخلافات الأسرية والحرب النفسية بين الوالدين من صراخ وشتم وضرب كل هذه الاسباب تجعله طفلا خائفا مهزوزا قليل الثقة بالنفس ذو تفكير سلبي مرتبك عاطفيا يميل الي العدوان والعنف وقد يلجأ الى الانتحار بسبب تعرضه لضغوطات نفسية واجتماعية تجعله يفقد الأمل بالمستقبل ويستسلم للواقع المرير, ويرى خبراء علم النفس أن “احتمالية الانتحار تزيد عشرة أضعاف لدى الأشخاص الذين يعانون من “الاكتئاب العقلي ” وهو المرض الذي يصيب 1% من سكان العالم ، لذلك يجب على الاباء والمربين الحرص على توفير الأجواء النفسية الملائمة لتربية نفسية روحية جسدية سليمة للأبناء بحيث يتمكنوا من شق طريقهم بكل ثبات وقوة ويتحملون المسؤولية.
وتتمثل أعراض الهشاشة النفسية بفقدان الهوية في أي عمل يقوم به فتجده بلا هدف, هائم وضائع يعجب بأي شخص يقابله أو يتحدث معه فتجده يقلد هذا وذاك حتى يصل به الحال ان لا يجد ملامح شخصيته الحقيقية ولا يعرف من هو وماذا يريد وما هدفه ؟ ويكون شديد التأثر بالأحداث البسيطة المحيطة قبل القوية وتجده كثير الشكوى من أتفه الامور ينهار من أبسط الاحداث ويعلق اخفاقاته على الأشخاص والدنيا من حوله بلا سبب فقط لعجزه عن النهوض بقوه مره أخرى وبسبب ضعف شخصيته وقله مهاراته وكثره قلقه وتفكيره في دائرة مغلقه لا تثمر وهو كثير العناد والانقياد.
ببساطة هو فيروس سريع الانتشار والعدوى يتغلغل الى أعماق ابن آدم فيحوله الى كتله هشة قابلة للكسر عند أول سقوط, وقد يكون تأثيره ربما أكثر من فايروس كورونا وغيره من الأمراض يصيب أكثر من نصف سكان كوكب الأرض ويزداد مؤخرا . ومن أخطر ما يفسد سعادة الإنسان في الحياة هو أن يكون ضعيفاً من الداخل يحزن بشكل سريع وتتغير نفسيته من أي كلمه يسمعها ويتعلق بأي انسان ويهيم به ويبالغ في رده فعله بالمواقف التي يخوضها, فيرخي اذنه لمن هب ودب ويقتنع باي فكره مهما كانت بدون التفكير بها وتحليلها تحليلا منطقيا عاقلا وهو لا يعلم بانه هو المسؤول عنها وليس من ادخلها وزعها في عقله, كثير الشكوى والضجر والملل والقلق والتوتر هذه كلها صفات الانسان الهش من الداخل المهزوم نفسيا . فالمحارب ليس فقط من يحمل السلاح ويحارب بل أيضا من يملك القوة العقلية والجسدية والنفسية للتغلب على نقاط ضعفه واخفاقاته من أجل المضي قدما. لان النفس جامعه لكل شيء فمن عرف نفسه ووثق بها عرف كل شيء, ومن جهل نفسه وأهملها جهل وفقد كل شيء. لذا فإن الإنسان المعاصر – اليوم – يعانى من هشاشة نفسية تصيبه فى مقتل اكثر من معاناته لهشاشة العظام الجسدية التى يمكن تداركها بالعلاج بالآدوية او العقاقير الطبية بعكس الهشاشة النفسية التى إذا ما أصابت الإنسان يصعب علاجها لان الإنسان المعاصر – اليوم – نتيجة إصابته بالهشاشة النفسية يجهل نفسه ويفقد بذلك كل شىء يجعله قادرا على مواجهة الأزمات والكوارث ومنها ما نعانية اليوم على مستوى العالم اجمع من جائحة كورونا والتى عجز الإنسان المعاصر على مواجهتها نظر لهشاشته النفسية التى يعانى منها الإنسان المعاصر. لذلك فإن الحاجة ماسة وملحة لمزيد من الدراسات حول التغلب على مظاهر الهشاشة النفسية لدى الإنسان المعاصر لإستعادة قوته بحيث يكون قادرا على مواجهة ما قد يواجهه مستقبلا من أزمات وكوارث بيئية محتمله .


الكوارث والأزمات البيئية - أزمة الإنسان المعاصر - الهشاشة النفسية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع