ومضات في الجغرافية الحديثة
احمد طلال خضر الطائي | AHMED TALAL KHUDTHER
06/06/2021 القراءات: 2469
ومضات في الجغرافية
الومضة الاولى :
يُعـد علم الجُغرافيا أحَد أهَم وأقدم العُلُوم التي عرفتها البشريّة، وأكثرها تَغيّراً وتَطوّراً على مَرّ العُصور، فقد اعتاد الإنسان مُنذ بداية وجوده على سطح الأرض التنقل من مكانٍ لآخر لاكتشاف بيئته والتعرف على طبيعتها ومسالكها وتحديد إمكاناتها الاقتصادية التي يُمكن أن يستفيد منها في سد احتياجاته الأساسية ، فارتبطت حياة الإنسان بدراسة المكان والتعرف عليه، كما ارتبط تطوّر تاريخ وفكر الإنسان بتطور علم الجُغرافيا في معناه وأغراضه وأساليبه البحثية وأدواته العلمية وميادين دراسته.
وقد مَرّت الدراسات الجُغرافية الحديثة بتطوراتٍ مهمةٍ تعكس التقدم الكبير الذي عرفته العلوم الجُغرافية في الفترة الحالية التي بدأت مع بداية الربع الأخير من القرن العشرين والتي تُدعى بمرحلة الجيوماتيك المعاصرة .
وتتطلب الجُغرافية الحديثة إعداداً خاصاً للجُغرافي كونه مُهندساً للمكان ، ينعكس هذا الإعداد على دراساته وأعماله وأبحاثه العلمية أثناء مرحلة البكالوريس أو بعدها في مستويات الدراسات العليا، فلم تعد الجُغرافيا من العُلوم الوصفية الأدبية التي تتعرض لشرح فلسفة المكان، بل أصبح التعبير عن العلاقات المكانية واكتشاف أنماط مكانية ، تعبيراً متطلباً أي أن له متطلبات ومهارات علمية. فالإستقراء أصبح قائماً على الرياضيات المكانية والإحصاء الرياضي، والأهم من ذلك العمليات القائمة على التقانة التي تتجسد بمختلف النظم التي باتت تُشكل الذراع اليمنى للجُغرافي ، من أجل تطوير عمليات الاستدلال التي تنتهي بتقديم التفسير العلمي المتسم بالفاعلية والدقة العالية للمتغيرات الجُغرافية المدروسة، لاسيما في مستويات الدراسات العليا.
وقد استطاع الجُغرافي في أغلب دول العالم المحافظة على مكانته الاجتماعية والإقتصادية ، كما استطاع تطويرها ليصبح الجُغرافي ودراساته وأبحاثه الحديثة القاعدة الأساسية التي تبدأ منها الدراسات الفنية العلمية الأخرى من أجل تنفيذ برامج الاستخدام المستديم والأمثل للمكان وسطح الأرض الذي يُمثل ميدان وحقل الدراسات الجُغرافية.
وما زال علمُ الجُغرافية يؤكّد يوماً بعد آخر أنه من عُلوم المعرفة الإنسانية الأساسية ، وليس ذلك العلم الذي يُحاول البعض التشكيك في علميته بأنه يأخذ من العلوم الأخرى وليس له منهج مُعين، إذ بدأت إسهامات هذا العلم وتطبيقاته تتزايد وتتّسع في الآونة الأخيرة، كما بدأ يلج معارفاً وعلوماً جديدة لم تكن موجودة بالأمس ويلامس مشاكلاً جديدة تدخل في صلب اهتمامات الناس. وكان من نواتج التداخل والاختلاط بين الجُغرافيا والعُلوم الأخرى أن ظهرت للساحة فروع جديدة للجُغرافية وليدة التطور التكنولوجي الحاصل في العالم ، فضلاً عن تطور المنهج الجُغرافي في التحليل والمعالجة والاعتماد على أساليب إحصائية جديدة ودقيقة ، ممّا أضاف للجُغرافيا صبغة مُميزة ومفاهيم جديدة وأساليب وطروحاتٍ مبتكرة في دراسة ومعالجة المشكلات الجُغرافية المتنوعة إذ تهتم الدراسات الجُغرافية الحديثة بتحليل وتفسير الظواهر التي تشغل حيزاً من سطح الأرض، وذلك عبر منهجيّةٍ أصيلة وخطواتٍ علمية ومقاييس دقيقة وأوصافٍ وبياناتٍ صادقة وصولاً إلى فهمٍ أفضل لطبيعة الظواهر الجُغرافية المتنوعة والتنبؤ بالتغيرات الحاصلة عليها على مَرّ الزمن ، ويُدرك الجُغرافيون أكثر من غيرهم بأن الظواهر الجُغرافية تتفاعل وترتبط فيما بينها بعلاقاتٍ لايمكن فصلها عن بعضها البعض، ويُعد الوقوف عليها وتصنيفها وتفسيرها وتحديد العوامل المؤثرة على وجودها في أماكنها وتحديدها على الخرائط ، واحدة من المهام الرئيسة للجُغرافي المعاصر.
وقبل أن أختم اتمنى أن تكون هذه الكلمات مجرد بداية تُحَفّـز قراءتها زملائي التدريسيين والمختصين في علم الجغرافية ، وطلاب الدراسات العُليا إلى السعي الجاد لتطوير ما كُتب عن الجُغرافية ونفض الغبار عنها والتوجُّه نحو الأفضل والتوسُّع في الكتابة في موضوع الجُغرافية وعلاقاتها مع العُلوم الأُخرى والتعرف على أبرز التغيرات الحاصلة عليها نتيجةً للثورة التقنية الحاصلة في العالـم اليوم في ضوء المتغيرات الحديثة والتطوّرات السريعة والكثيرة المعاصرة في كافة المجالات .
والله أعلى وأعلم وما التوفيق إلا من عند الله سبحانه وتعالى، وصلى الله على خاتم الرسل والأنبياء نبي الرحمة مُحمَّد (صلى الله عليه وسلم) .
الدكتور أحـمد الطائي
في 5 – 6– 2021
علم الجُغرافيا - الجُغرافية الحديثة - المنهج الجُغرافي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة