عندما تتغير وظيفة النقود
07/11/2021 القراءات: 3427
الأوراق النقدية وجدت لكي تكون مستودعاً للقيمة أو مقياساً لها ولا يجوز أبداً أن تتحول إلى سلعةٍ يتم المتاجرة بها أو المضاربة عليها. فإذا ما تحولت ورقة المائة دولار إلى سلعة تباع وتشترى لذاتها فهذا معناه أن ورقةً ملونة تحمل بعض الرموز والكلمات والصور أصبح لها قيمة تعادل قيمة مايمكن شراؤه بها، أي برميلين من النفط مثلاً أو 3 غرام من الذهب أو طنين من الحديد أو ماشابه ذلك. وهكذا تتحول الورقة إلى قيمة مع أنها مجرد تعبيرٍ عنها. ويبدأ نوع من التفاعل الانشطاري المتسلسل - الشبيه بالتفاعلات النووية - الذي يؤدي إلى توليد كميةٍ هائلة من النقود بمفهومها الواسع وتتضاعف أحجام الاستثمار المالي المتمثل في الأوراق المالية بأنواعها لتتفوق على أحجام الاستثمار الفعلي في الأصول بملايين المرات ويمكن توضيح ذلك بالمثال التالي: تخيَل أنه يتم إنشاء شركة صناعية برأس مال 100 مليون دولار، وقام الأفراد بالاكتتاب في أسهمها بنفس القيمة فهذا يعتبر استثمار فعلي في الأصول فإذا تم طرح الأسهم للتداول في السوق الثانوي فهذ استثمار مالي لمن يشتري السهم . فإذا كانت الأموال المستثمرة في شراء الأسهم مقترضة من البنوك بنسبة 10 إلى 1 مثلاً فهذا يعني أن عشرة ملايين دولار استطاعت أن تشتري أصولاً بمائة مليون. ذلك أن التسعين مليون الأخرى المقترضة سوف تعود فوراً إلى البنوك على شكل ودائع يجتهد البنك في إعادة إقراضها مرةً أخرى في سلسلة متواصلة من إيداع وإقراض في ما يسميه الأقتصاديون بعملية خلق النقود Creation of money و الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فالبنك قد يقوم بالتأمين على القروض التي يمنحها ومؤسسات التأمين هذه قد تصدر سندات لاقتراض النقود أو تطرح أسهمها للتداول الذي يتيح للمستثمرين شراء أسهمها وبأموال مقترضة من البنوك مرةً أخرى أضف إلى ذلك مايتم ابتداعه من أدوات للاستثمار في الأوراق المالية من مشتقات وعقود مستقبلية وغيرها قد تؤدي كلها إلى توليد أوراق مالية بمليارات الدولارات في مقابل أصول الشركة الصناعية التي تبلغ مائة مليون.
وهكذا تدور عجلة توليد النقود بأقصى سرعتها ويكون من الخطر تباطؤ دورانها. لذلك لابد من تحفيز السوق وتنشيط الطلب والحث على الاستهلاك لضمان دوران العجلة بسرعتها القصوى التي تبقيها متوازنة كما يفعل لاعب السيرك الذي يسير بعجلة على حبل رفيع مرتفع ويحتاج للمحافظة على سرعة معينة إذا انخفضت فلا بد أن يسقط ولاتسأل عن الخسائر والجراح والكسور.
هكذا يدار الاقتصاد العالمي حالياً بأيدي وأنظمة البنوك المركزية ووزارات الاقتصاد والمالية وما تمتلكه من أدوات متنوعة ضمن سياساتها النقدية والمالية و تستخدمها للحفاظ على توازن العجلة وإبقائها في حالة دوران بالسرعة المطلوبة. لكنهم لا يستطيعون بل ولا يزعمون أنهم قادرين على ضمان النجاح . وقد رأينا كيف تخرج الأمور عن السيطرة في حالات عديدة و أزماتٍ متعددة. لا تقتصر آثارها السلبية على اقتصادات الدول المتقدمة وإنما تطال الجميع.
النقود/ القيمة/ مستودع القيمة/ الاقتصاد/ السياسة النقدية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة