مدونة الدكتورة شفاء محمد عبدالله العزاوي


✍️تجربة التعليم الإلكتروني، واقع وطموح

الدكتورة شفاء محمد عبدالله العزاوي | Dr. Shifaa Mohammed Abdullah


26/09/2020 القراءات: 4165  


اثرت جائحة فيروس كورونا المستجد على الكثير من المؤسسات في بلدان العالم كافة فاضعف الفيروس حيوية الاجهزة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والصحية، والدينية، والإعلامية، والثقافية، والتعليمية وادى لشبه التوقف او العطل في كثير من نواحيها. مما فرض على الحكومات استنفارا تاما لإيجاد حلول وبدائل في ظل الظروف الطارئة فأوجدت سبلا وطرائق للتكييف والتعايش مع الواقع المستجد فكان التعليم الإلكتروني، أو التعليم عن بُعد من اهم الحلول المتاحة التي ارتكزت عليه المؤسسات التعليمية لاستعادة ما استنزف من وقت الطلبة ولإكمال فصولهم الدراسية على الوجه الأكمل قدر الامكان. وليس بإمكاننا في هذا المقال ان نجزم بانها عملية سهلة، فقد عانت في البدء الكثير من المؤسسات التعليمية وخصوصا في مجتمعاتنا العربية من صعوبات ومعوقات مختلفة في بناء وشق طريق هذه التجربة الجديدة وذلك لحداثتها وقلة الخبرات، أو انعدامها فيها أو في سياقات انشائها والعمل بها. ومن الطبيعي أن تجد معظم المختصين في مجال التعليم يفضلون التعليم النظامي أو المباشر وجها لوجه مع المتعلم على التعليم عن بعد اذ ان الاخير ليس بالعمق ذاته وبنفس اتساع الخبرة في الفصل الدراسي فهناك تباينات واختلافات في تفوق النوعين من التعليم أحدها على الاخر وبالرغم من هذا الاعتقاد السائد الا ان الكثير من مقيمي العملية التعليمية قد أدركوا على مرور ايام الجائحة الماضية ان التعليم الالكتروني له قيمة تضاهي التعليم المباشر وانه الواقع المؤكد للمرحلة القادمة من مسار المجتمعات والعملية التعليمية. ومثلما "ان لكل غيمة بطانة من فضة" فان للتعليم الالكتروني ايجابيات جمة ليس بالإمكان تجاهلها، واجد مقالي هذا ابعد عن حصرها والالمام بمردوداتها ومخرجاتها فعلى سبيل المثال، فان حدود استثمار الوقت والزمان في التعليم الالكتروني مفتوحة ولا تضاهى التعليم التقليدي او النظامي، ففرصة توسيع واغناء مدارك الطلبة والمعلمين كبيرة جدا من خلال الاستفادة من الروابط الالكترونية التي تثري اهتماماتهم، وامكانية الاستفادة من السرعة التي توفرها البرمجيات الالكترونية والحوسبة في تطوير وتغيير المناهج والبرامج دون اثقال كاهل المختصين بتكاليف إضافية مرهقة ماديا.
أضف الى ذلك امكانية التعليم الالكتروني ان يحرر كلا من المتعلم والمعلم من قيد وشرط تواجدهما في مكان ما قد يكون من الصعب الوصول اليه ضمن وقت محدد مما يضيف كثير من التسهيلات لهما ويضفي على العملية التعليمية منحى رفاهي كان بالأمس حلما بحد ذاته. وبعد اين تكمن اشكاليات التعليم الالكتروني اذن؟
لعل أولى هذه الاشكاليات هي إن الغالبية السائدة من المعلمين ممن اعتادوا التعليم الكلاسيكي لا يعرف كيفية التدريس وتوصيل المعلومة عبر الإنترنت والآخر ربما يجد صعوبة في كيفية تحسينه ويعود القسم الأكبر من هذه الصعوبات إلى أن الكثير من القائمين على العملية التعليمية لا يشعرون بالحماس تجاه هذا النوع من التعليم كما هو الحال عند المتعلمين ايضا. بسبب ما يسود من شعور عند هؤلاء بان لا وقت لديهم للتعلم بالرغم من اننا نعلم انهم يهدرون اضعاف وقت التعلم. وفي ضوء ما اسلفنا من مظاهر مثلت وعكست واقع التعليم الالكتروني نقدم جملة من المبادئ والممارسات الاساسية لتحسين التدريس الالكتروني بما يلائم الطموح معتمدة في ذلك على ما خبرته من خلال تجربتي الواقعية في التدريس بنمطيه المباشر والالكتروني وذلك من خلال جعل اساليب التدريس على الإنترنت اكثر فاعلية واكثر موائمة ومواكبة للطموح بطريقة مرضية. فمن الخبرات الواقعية الفعلية المهمة للمعلم على سبيل المثال تواجده في القاعة الافتراضية قبل الجميع واعداد اللوحة بالمحتوى واعداد المادة التعليمية او المحاضرة بشكل عام، وان يرسم ملامح شخصيته واسلوبه الخاصين مبتعدا عن تقليد اية نماذج جاهزة او مكتوبة جافة خالية من اية سمات تعلق وجذب لانتباه الطالب. كما ان لتنظيم محتوى الدرس بشكل حدسي وابداعي وان يصغها المعلم برؤية اكثر شمولية اخذا بنظر الاعتبار موقع المتعلم واحتياجاته يسهل مهمة ايصال المعلومة بشكل انجح ويخفف كثيرا من ارتباك او احباط بعض المتعلمين او الطلبة في حال واجهتهم اية صعوبة في الانضمام للدرس. و لاجل ان يحظى المتعلم بدرس سلس غير ممل ولا جاف على المعلم ان يضيف جاذبية مرئية لا غنى عنها لقاعته الافتراضية وذلك من خلال الاهتمام بالطريقة التي تبدو بها المحاضرات التعليمية عبر الإنترنت وبدقة تفاصيلها وصحة معلوماتها من خلال تعزيز كل طرح وشرح وتوضيح بالأمثلة البسيطة الممكنة.
إن المعلم الناجح في عهد التعليم الالكتروني هو الذي يستطيع ان يجعل درسه مثيراً لاهتمامات الطلبة عبر الأنترنت باستخدام الكثير من العناصر المرئية ووسائل الإعلام، والأدوات التفاعلية، وأنشطة التعلم التي تجعل من الدرس غاية في الامتاع والفائدة. كل هذه القدرات التعليمية وغيرها الكثير لا يمكن الإحاطة به دون بذل الجهود الحثيثة والمستمرة في تطوير المعلم لذاته ونحت معرفته وتشكيلها وترسيخ خبراته في التعليم، وخاصة من خلال القراءة ومواكبة كل ما هو حديث في هذا المجال.
إن المضي في طريق التعليم الالكتروني بحاجة ديناميكية دائمة الى الاستنارة بالتفكير الابداعي الخلاق. فالطموح باعتماد التعليم الالكتروني بطريقة جادة شاملة عامة معتمدة على خطوات واستراتيجيات علمية مدروسة لا يعني الغاء التعليم الكلاسيكي ولكن بالإمكان ان تطور الطريقة الكلاسيكية لتتناغم مع الطريقة الالكترونية في التعليم او العكس.


تجربة التعليم الإلكتروني، واقع وطموح


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع