مدونة د. محمّد الحمّامي


مكاتب العمل بالواقع الافتراضي

محمد الحمامي | Muhammad Alhammami


31/10/2021 القراءات: 1810  


قبل أزمة كورونا كانت دعاية الواقع الافتراضي (VR: Virtual Reality) تركِّز على استعماله في الألعاب والترفيه، وقد دعا التقدمُ الكبير الذي أحرزه فيهما خلال السنوات الأخيرة إلى إعادة التفكير في العمل المكتبي المستقبلي. تعتمد هذه الفكرة على الاستفادة من الشاشات التي تُوضع على الرأس (HMDs: Head-Mounted Displays) دون الحاجة إلى وجود أنظمة إسقاط ضوئي. ولكنْ، وعلى الرغم من التقدم السريع للأجهزة المحمولة مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ما تزال محطات العمل التقليدية وأجهزة الحاسوب المحمولة تهيمن على العمل المكتبي اليوم، وما يزال الموظفون يكتبون مستعينين بلوحات مفاتيح الحاسوب ويستعملون الفأرة أو لوحة التتبع لتحديد الكائنات الموجودة على الشاشة ومعالجتها. وتتركز الأنشطة الشائعة للعمل الحاسوبي على الكتابة وتحرير النصوص وتغيير أماكن الإدخال بين حقول النص والتبديل بين النوافذ في أحد التطبيقات والتبديل بين التطبيقات، مع الاستفادة من اختصارات لوحة المفاتيح. ويَستعمل الموظفون عادةً شاشات متعددة لإنشاء مساحة عرض أكبر، لأن الشاشات الكبيرة تتيح عملًا أكثر كفاءة. يتطلب دعمُ هذه الأنشطة وغيرها من الأنشطة المكتبية النموذجية في بيئة الواقع الافتراضي ترجمةَ ممارسات العمل المكتبي اليومية المألوفة إلى تقنياتِ تفاعلٍ فعالة ومريحة، وتعمل في الوقت نفسه على زيادة المزايا التي يقدمها الواقع الافتراضي والتخفيف من قيودها. وثمة مسألة أخرى يجب معالجتها وهي عدم رغبة الموظفين بالتغيير، بسبب عدم الرغبة في بذل الجهد اللازم لتعلم تقانة جديدة. تقوم أجهزة الواقع الافتراضي (VR) بعزل الأشخاص عن العالم المادي من حولهم وتوفير تحكُّم كامل في المدخلات لاستعمال حواسِّهم البصرية والسمعية والحركية في بيئة العمل الافتراضية. وهذا يوفر عدة مزايا؛ منها: *- التحكم في البيئة المحيطة: قد تكون بيئات العمل المادية المحيطة بالموظفين غير مثالية في كثير من الأحيان (مساحة صغيرة، مساحة عرض محدودة، إضاءة غير كافية...) مما يؤدي إلى إعاقة عملهم. فمثلًا، إذا اضطر شخص إلى أن يعمل أثناء جلوسه في مقعده الاقتصادي على متن طائرة، فبإمكانه استعمال VR HMDs ليجد الحلَّ المناسب للعمل في بيئة مثالية (مكان واسع، إضاءة جيدة، شاشة عرض واسعة). *- توفير بيئة العمل المألوفة للشخص بحيث تكون مستقلة عن موقعه الجغرافي: قد يرغب الذين يسافرون كثيرًا في الحفاظ على بيئة العمل المألوفة لديهم (مثل: عدد الشاشات وترتيبها، وترتيب التطبيقات من حولهم، وشكل الغرفة، وغيرها). إن العمل في مكتب الواقع الافتراضي يوفِّر لهم هذه الرغبة، فيقلِّل من هدر الوقت والجهد اللازمين لإعادة التأقلم مع بيئة عمل جديدة، ويلغي المجهود العضلي لحمل معدات العمل، ويمكِّنهم من متابعة أعمالهم المكتبية اليومية وعقد اجتماعاتهم من دون الحاجة إلى حضورهم إلى غرف الاجتماعات. *- الخصوصية: في بيئات العمل التقليدية يستطيع جميعُ الأشخاص مشاهدةَ محتويات شاشة العمل، ومع أن فلاتر الرؤية الاتجاهية تقلِّل مستوى الرؤية للذين يجلسون إلى جانب الشاشة، فإنها لا تمنع الرؤية في جميع الاتجاهات (كالذين يقفون خلف الموظف مثلًا). أما أدوات HMDs فتعتبر شخصيةً وتمكِّن الموظفين من العمل دون أي تأثير على الخصوصية، فلا يستطيع أحدٌ رؤية ما يُعرض على الشاشة. *- تخفيف قيود العالم المادي: يتيح العالم الافتراضي القيامَ بأشياء غير ممكنةٍ في العالم المادي؛ فقد يحرك الأشخاص أيديهم ويصلون إلى مسافات أبعد من متناول أيديهم، أو يغيِّرون مظهرهم أو يرسمون على السبورة وأيديهم على الطاولة، ويمكنهم السفر فورًا إلى غرفة اجتماعات في مكان آخر في العالم الافتراضي. الأكثر إثارة هو فتح فرص جديدة مستحيلة اليوم أو محدودة النطاق؛ ففي مكتب الواقع الافتراضي، لا توجد أي أهمية تقريبًا للموقع الفعلي للأشخاص. إذ إنه يقدم فرص عمل للأشخاص البعيدين أو الأشخاص ذوي الهمم الذين منعهم عارض صحي من الانضمام إلى القوى العاملة. ويُمكِّن الواقع الافتراضي فعليًّا من رؤية العمل من وجهة نظر الآخرين، وهذا مما يساعد على تحسين التواصل والتعاطف والمساعدة والتعليم من بعد وتقليل سوء الفهم والنزاعات. أعتقد أن حرية عالم الواقع الافتراضي مع ضرورة الاستفادة من تقنيات الذكاء الصنعي للتغلب على تحديات الاستشعار الدقيق لحركة الأشخاص وانتباههم وسلوكهم ستثبت أنها أرض خصبة لمزيد من التحولات الدراماتيكية لآليات العمل المكتبي عما نعرفه الآن، خاصة إذا ما أضيفت إليها تقانات الواقع المعزز Augmented Reality. ومؤخرا هاي شركة ميتا (فيسبوك سابقاً) تعلن عن مشروعها عن الحياة الافتراضية والتي ستجعل بحسب خبراء 70% من اجتماعات العمل تأخذ شكلا افتراضيا.


العمل الافتراضي، العمل عن بعد، الواقع المعزز