مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي


(حقوق الانسان من منظور الاسلام)

د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a


12/14/2020 القراءات: 4497  


الحمد لله الذي أعطى كل مخلوق حقه والصلاة والسلام على الرسول الذي ارشد إلى حقوق الإنسان المقررة في القرآن وعلى اله وصحبه وسلم .
لاشك ان الكلام عن حقوق الانسان كثيرة ومتشعبة ولها جوانب متعددة فيمكن ان ينظر اليها من عدة نواحي ويتفرع عنها مسائل عديدة تحتاج الى دراسات معمقة لكثرة وتعدد هذه الحقوق الاصلية والفرعية التي لا حصر لها وحيث اصبح المناداة بها تزداد والشعارات ترفع في كل مكان منها شعارات صادقة ومنها للمتاجرة فبرز الحديث عن حقوق الإنسان بشكل يطغى على ما سواه وبظهور منظمات تدعوا للاعتراف بها والالتزام بمبادئها الا ان الحقيقة المطلقة ان حقوق الإنسان ليست من مستحدثات العصر أو مبتكرات الفكر القانوني الغربي بل كانت هذه المبادئ من أبجديات الإسلام التي لم يقف عند وضعها فحسب بل تكلف برعاية الإنسان ذكر أو أنثى من مهده إلى لحده فمنحه كل الحقوق المشروعة في عصر كان العالم يغمره الجهل والظلام ومنطق القوة سائد فيه ولم يكن للحق والعدالة فيه وجود بزغ الإسلام بإقراره مبادئ وحقوق خاصة بالإنسان لم تبلغ إليها القوانين الحديثة ولن تبلغها لأنها من الخالق للمخلوق الذي كرمه وجعله خليفة في الأرض ليعمرها فهي هبة وهدى ونور من رب العالمين للناس أجمعين وبهذا يكون الإسلام قد سبق بإقرارها والدعوة اليها والمحافظة عليها وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها اذ يعد الفرد والمجتمع والدولة حراسا على رعايتها بوصفها واجبات شرعية يثاب فاعلها ويعاقب تاركها.
وحقوق الإنسان هذه تشمل الرجل والمرأة على حد سواء لان لفظة إنسان تشملهما لغة وشرعا رغم أن الواقع يخالف ذلك لدى الحضارات والمدنيات عند معظم شعوب العالم قديما وحديثا بينما في الإسلام أعلن رسول الهدى بخطبة الوداع مبادئ حقوق الإنسان الذي يكون بهذه الوصية قد سبق القوانين والوثائق العالمية , كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 أذ لخص رسول البشرية موقف الإسلام واضحا من حقوق الإنسان فقررت النصوص الشرعية صراحة ان النساء والرجال من تراب واحد يكمل بعضهم بعضا فكلكم لأدم وأدم من تراب وبهذا فان حقوق الإنسان التي قررها الإسلام قبل اكثر من أربعه عشر قرنا والتي سبق العالم في دعوته الصريحة للمساواة والحرية والعدل في المعاملة وفي إقراره الحقوق الإنسانية قد حققت تفوقا ساميا على كل المواثيق والإعلانات والقوانين الوضعية بينما كان الاعلان الإسلامي لحقوق الإنسان لعام 1981 الافضل من نوعه بين كل الاعلانات الدولية الوضعية لأنه جاء مستمد من الشريعة الإسلامية وغير مخالف لها ويحق لنا ان نفخر به.
فلقد شرع الاسلام حقوق الانسان واحاطها بضمانات كافية لحمايتها لان للإنسان مكانة سامية في الاسلام مبنية على اساس اعتقادي وهو انه أيا كان اصله وجنسه ولونه ونسبه مخلوق مكرم من الله فهي حقوق ابدية لا تقبل حذفا ولا تعديلا ولا نسخا ولا تعطيلا لأنها حقوق شرعها الله الخالق فليس لاحد ان يعطلها او يعتدي عليها فلا تسقط حصانتها الذاتية لا بإرادة الفرد تنازلا عنها ولا بإرادة المجتمع متمثلا فيما يقيمه من مؤسسات أيا كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها.
وبهذا فقد استوعبت حقوق الانسان في الاسلام جميع الاتجاهات الوضعية قديما وحديثا وتفوقت عليها فشملت الحقوق الشخصية الذاتية والفكرية والسياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية واكدت على الحريات العامة المتنوعة كما شملت في ذلك الرجال والنساء والاطفال والمسلمين وغير المسلمين داخل الدولة وخارجها لان حقوق الانسان الشاملة في الاسلام هي في ضمان الفرد والجماعة والدولة على السواء فإحقاق الحق ومقاومة الباطل هو التزام يفرضه الاسلام على الفرد والدولة والمجتمع معا وهو واجب ديني شرعي يرتكز الى العقيدة الشرعية ويتغلغل الى اعماق ضمير المؤمن فهو يستند الى عقيدة الايمان بالله تعالى فالله هو مصدر تقرير الحقوق في دين الاسلام وهذه حقيقة ثابتة لا مجرد افتراض غامض والعقيدة في الله ترتكز الى اصولها في الفكر والنفس ولها اثارها الواسعة والشاملة في سلوك الفرد والجماعة والدولة وإسناد تقرير الحق الى الله وشريعته يؤدي الى اقتران الحق بالواجب واقتران حق الفرد بحق الجماعة واقتران الحقوق الفكرية والسياسية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية فكل ما هو حق للفرد هو واجب على غيره سواء كان الغير فردا اخر ام جماعة ام دولة.
وتقرير حقوق الانسان من قبل الخالق جعل احقاق الحق واجب على صاحب الحق نفسه كما هو واجب على الذي عليه الحق فعلى صاحب الحق ان يطالب به ويحرص عليه ويناضل لأجله والمؤمن صاحب الحق مأمور ان لا يفرط في حقوقه خاصة ما يمس انسانيته وفكره واعتقاده حتى ولو اضطر الى ترك الارض التي عاش فيها وارتبط بها فتكون الهجرة والالتجاء واجب على المضطهد وليس حقا فحسب كذلك ينبغي عدم التمييز في الكرامة او في الحقوق الاساسية ما بين انسان واخر لا من حيث العرق ولا الجنس ولا النسب مع ضرورة النداء بوحدة الاسرة الانسانية وان افضلهم عند الله هو اكثرهم نفعا لهذه الاسرة فضلا عن التعاون على الخير والتقوى وتقديم جميع انواع البر للإنسان من دون النظر الى جنسيته.
وبهذا يمكننا ان نسجل من خلال هذه القراءات المتواضعة كيف استوعب تقرير حقوق الانسان في الاسلام الاتجاهات الوضعية وتفوق عليها ومقدار عظمة الاسلام وغيرته عليها وعنايته بها اذ لم يتخذها مواعظ اخلاقية بل اوامر تشريعية واقام الى جانبها جميع الضمانات اللازمة لتنفيذها فهذه الحقوق في الاسلام هي منبثقة من العقيدة الاسلامية وهي الكيان الروحي لنظامه فهي منحة إلهية قررها الله للإنسان بمقتضى فطرته الانسانية فهي ثابتة دائمة تتمتع بقدر كاف من الهيبة والاحترام والقدسية وتشكل ضمان لعدم السطو عليها كما ان احترامها اختياريا نابعا من داخل النفس ونؤكد في هذه المناسبة على ان الاحتفال بيوم حقوق الانسان هو يوم الاسلام يوم انبثق نوره ورست قواعده وهو اليوم الذي اقرت فيه حقوق الانسان من لدن حكيم خبير وان تلك الحقوق سجلت في دستور المسلمين الخالد الذي يبقى المرجع الاول والاخير للحقوق


حقوق الانسان منظور الاسلام


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع