كيف شاركت الصين في الاقتصاد العالمي؟
احمد عمران كرواط | Ahmed Omran Karwat
10/5/2020 القراءات: 2524
شاركت الصين بشكل تدريجي وفعال في التنمية الاقتصادية العالمية عن طريق مجموعة من المزايا التي تملكها، مندمجة مع التطورات المستمرة التي تحققت في القرن الماضي من إِصلاح وانفتاح مهد في الحصول على مكانة اقتصادية عالية. كيف حصل ذلك؟ وفيما يلي ترد التفاصيل:
1. المكانة العالمية تسهم عوامل عديدة متشابكة في بناء مكانة الدولة بين الدول التي تشكل النظام الدولي، وهذه العوامل تبدأ بما هو محلي، وإقليمي، وصولا إِلى المكانة العالمية، وقد نشير إِلى بعض منها التي تتمحور في جميع الجوانب الاقتصادية مثل: الموقع الجغرافي، والمساحة، والكثافة السكانية، وهي عناصر اساسية في تكوين الجغرافيا السياسية للدولة التي تؤثر بشكل مباشر على تطورها، ويكون هذا التأثير من خلال تحديد قدرة الدولة على تنفيذ سياساتها الداخلية، والخارجية، ومن ثم تحديد مركزها الدولي. تقع الصين في شرق آسيا، وشمال المحيط الهادي، وتبلغ مساحة أراضيها حوالي (9.600 مليون كم2)، وتعتبر الرابعة من حيث المساحة بعد روسيا، وتنتشر حولها مجموعة من الدول القوية اقتصادياً، روسيا، وكوريا الجنوبية، واليابان في اتجاهها الشمالي والشرقي، والهند اتجاهها الغربي والجنوبي، كما تدور حولها مجموعة من الدول الصغيرة مثل: ميانمار، وتايوان، والنيبال، وفيتنام، وكمبوديا، وبعض جزر البحر الصيني. تعد الصين ايضاُ الدولة الأَولى في العالم من حيث عدد السكان، ووفقاً لبيانات البنك الدولي، بلغ عدد سُكانها حوالي (1,397 مليار) في سنة (2019)، تمثل نسبة (18.2%) من سكان العالم. للصين معالم من أَهمها )طريق الحرير ( وهو الطريق الذي شد الانتباه على المستوى العالمي، كونه يشير إِلى شبكة من الطرق البرية التي تربط بين الصين، والهند، وآسيا الوسطى، وروما منذ قدم التاريخ. تمكنت الصين من تحقيق نجاحات اقتصادية تمثلت في زيادة الصادرات بتصنيع المنتجات الخفيفة، والسلع المعمرة بأسعار منخفضة للأسواق العالمية، فقد سجلت أرقاماً قياسية في النمو على المستوى العالمي، حيث بلغ ناتجها المحلي الإِجمالي (11,466 مليار دولار) تقريباً سنة (2019)، بينما وصل الناتج المحلي للولايات المتحدة الأَمريكية إِلى حوالي ( 18,276مليار دولار) لنفس الفترة، حينها بلغ الناتج الإِجمالي العالمي (84,990 مليار دولار) بالأَسعار الثابتة للدولار لسنة (2010)، فقد قدرت نسبة مساهمتها (13.5%) تقريباً، في حين ساهمت الولايات المتحدة بنحو (21.5%)؛ مما يؤكد أَهمية مكانة الصين العالمية كثاني أَكبر اقتصاد في العالم.
2. القوة الاقتصادية العالمية تغير مرتبة الدولة يعتبر مؤشر لعملية التنمية الاقتصادية في العالم، خلال الحرب العالمية الأولى، كانت (فرنسا– بريطانيا) هما مصنع العالم، وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت (أَلمانيا- اليابان) هما المسيطران على الصناعة في العالم، ثم انتقلت في السبعينات والثمانينيات إِلى (الولايات المتحدة الأَمريكية)، ومع بداية القرن الحادي والعشرين (الصين) تحولت إِلى مصنع العالم، وأَكبر سوق في العالم، تميزت في العديد من المنتجات الصناعية، يعزز ذلك ملايين من الأَيدي العاملة الرخيصة ذات الكفاءة والمهارة؛ الأَمر الذي جعل الصين في صدارة الدول المنتجة في العالم، وأصبح التفكير في انتقال الكثير من عمليات الإِنتاج الصناعي إِلى المكان الذي يقود العالم اقتصادياً، وخير دليل على ذلك، ما تداوله بعض الصحف الاقتصادية الغربية من أَنباء عن شركة (إِيكوس) التي غلقت مصنعها للأجهزة الإِلكترونية في أَلمانيا، ونقل إِلى الصين، وشركة (توشيبا) تغلق ما تبقى من معاملها لإِنتاج أجهزة التلفزيون في اليابان، وتنقل إِلى الصين، وشركة (اشك) لأنظمة الطاقة المتقدمة في ماليزيا، قفلت مصنعين للإِلكترونيات، ونقلتهما إِلى الصين...وغيرها. أَن الصين أصبحت (مصنع العالم) من خلال تغيير التنافس في الأسواق العالمية، واكد ذلك مدير منشئات المرافئ في هامبورج "اشتريت من الصين المواد لمعالجة الحاويات لم أكن أَشتريها في السابق إِلا من الأَلمان".
3. القدرة التنافسية الدولية تصنع الصين تلك المنتجات التي تم اختراعها أَو تطويرها في دول أخرى، أَغلب المصانع فروعَ شركاتٍ أَجنبية أَو مشروعات مشتركة، تسعى الصين إِلى امتلاك صناعة مستقلة في التقنية العالية كمحاولة جادة لتصبح أَكبر مراكز الابتكارات الجديدة في العالم، فقد زرعت نواة هذا التطور في بداية عهد (دنغ)، وفي هذا السياق، كتب الباحث الأَمريكي (الفن توفلر) (Alvin Toffler) في كتابه (الموجه الثالثة) "أَن البلدان النامية مثل الصين التي تملك الباحثين، والمهندسين، تستطيع تجاوز المرحلة المتوسطة من العصر الصناعي، والانتقال مباشرة من المجتمع الزراعي إِلى مجتمع المعلوماتية"، في سنة (1999) اقتربت الصين وتايوان معاً في قطاع تقنية المعلومات من حجم الإِنتاج الياباني، وفي سنة (2000) تفوقوا على اليابان بعد ذلك تفوقت الصين على تايوان. وكما يبدو تطور الصين خلال السنوات الماضية، وأصبحت مركز المنتجات الإِلكترونية، وصناعة أجهزة الحاسوب، وينطبق هذا بشكل خاص على إِنتاج الرقائق الإِلكترونية التي كانت تايوان تتصدر العالم في سبكها وإِنتاجها.
على الرغم مما سبق لاتزال الصين تتجه إِلى رفع مستوى تجارتها العالمية، وفتح أبواب جديدة للاستثمار العالمي، من خلال تركيز قدرتها التنافسية في المجال التكنولوجي الذي يغير تشكيل جميع القطاعات، من أجل ذلك طرحت مبادرة )الحزام والطريق( تتكون من الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الواحد والعشرين، بهدف بناء إِطار تبادل عالمي يربط آسيا بأوروبا، وإفرِيقيا على حد سواء.
كانت سرعة استجابة الاقتصاد الصيني وتقلده لمستويات عالية من التطور بفضل النقاط المحورية سالفة الذكر التي كانت دعاماً اساسياً في المشاركة الدولية، تمكنت من الحصول على مكانة متفوقة عالمية التي تعد مدخلاً لتحقيق مصالحها على المستوى العالمي، ومن الأرجح أَن تصبح قوة اقتصادية هامة لا يمكن للعالم أَن يستغني عنها في تطوره واستقراره.
الاقتصاد الصيني - القوة الاقتصادية العالمية - القدرة التنافسية الدولية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
شكرا د.احمد موضوع قيم والتجربة الصينية تستحق الدراسة