مدونة الدكتور صالح فليح زعل المذهان


دلالة الحركة الصرفية في اللغة العربية

أ.د صالح فليح زعل المذهان | SALEH FLAYEH ZAAL ALMATHHAN


12/20/2020 القراءات: 4254  


بسم الله الرحمن الرحيم اللهم، يا مصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا إلى طاعتك، وزدنا هدًى، وإيمانًا وتقوى، وجرِّدنا من الذنوب والمعاصي، وصلِّ على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مصدر فخرنا وعزنا يقول الله تبارك وتعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) طه: ١١٣. إِنَّ من عظم مكانة اللغة العربية أَنَّها لغة تميَّزت بخصائص عزَّ نظيرها في غيرها من اللغات العالمية، ومن هذه الخصائص التي تميَّزت بها لغتنا العربية دلالة الحركة الصرفية في كلماتها. فنجد أنَّ ثمة كلمات تنتمي إلى البناء الصرفي نفسه، لكنَّها تختلف دلالاتها إِنِ اختلفت الحركة الصرفية فيها، ونقصد بالحركة الصرفية حركة فاء الكلمة، وعينها. فالمتأمل في كلمة( قُبُلًا) في قوله تعالى: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا). الكهف:٥٥. يجد أنَّ الاسم (قُبُلًا) فيه قراءتان: القراءة الأولى بضم القاف والباء وهي قراءة عاصم وحمزة، والكسائي، وأَبي جعفر، وخلف، والقراءة الثانية بكسر القاف، وفتح الباء وهي قراءة نافع، وابن كثير، وأَبي عمرو وابن عامر، ويعقوب. فالاسم( قُبُلاً) وفق القراءة الأولى أفاد أنَّ الكفار أرادوا شرطًا للإِيمان أَنْ يروا أَلوانًا من العذاب تتواصل مع كونهم أحياء، أمَّا الاسم( قِبَلاً) وفق القراءة الثانية فأفاد أنَّ الكفار ما منعهم من الإيمان بالله عز وجل إلا أنَّهم طلبوا أنْ يشاهدوا العذاب عيانًا من غير ستر له . وكذلك كلمة (نَسْيًا ) في قوله تعالى: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) ( مريم:٢٣) . يجد أَنَّ في الكلمة قراءتين: القراءة الأولى بفتح النون وهي قراءة حفص عن عاصم، وحمزة، والقراءة الثانية بكسر النون قراءة نافع ،وابن كثير ،وأَبي عمرو ،وابن عامر ،والكسائي ،وأَبي جعفر، وخلف، ويعقوب. فالاسم ( نَسْيًا) وفق القراءة الأولى أفاد أنَّ مريم - عليها السلام - لمَّا جاءها المخاض إلى جذع النخلة تمنت لو أنها كانت شخصًا عاديًا لا قيمة له في مجتمعه، أمَّا الاسم ( نِسْيًا) وفق القراءة الثانية فقد أفاد أنَّ مريم عليها السلام تمنت لو أنَّها شيء حقير لا قيمة له، فلو فُقِدَ لا يتألم لفقده. فالحركة الصرفية لها دلالتها في الكلمة العربية، وهذه ميزة لا نجدها في اللغات العالمية، وهي ميزة عظيمة تدل على رفعة اللغة العربية وبلاغتها، وسر إعجاز كتاب الله عز وجل في نظمه وجزالة ألفاظه، يدل على ذلك قوله تعالى: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) فصلت: ٣. والحمد لله رب العالمين أ.د صالح فليح زعل المذهان رئيس قسم اللغة العربية وآدابها الجامعة الإسلامية بمنيسوتا
 


الحركة الصرفية، البناء الصرفي.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


جزاكم الله خيرا، الصرف حياة وطريقة حياة.