د.نوال الصادق أحمد الطيب السفوري
ماهو الخُسْران الذي يُضَيّع الإنسان
د.نوال الصادق أحمد الطيب السفوري | Dr.Nawal Elsadig Ahmed Eltaieb Elsafory
1/13/2023 القراءات: 1834
بسم الله الرحمن الرحيم
ماهو الخُسْران الذي يُضَيّع الإنسان؟!
لا أقصد بالخسران الذي عناه الحق عز وجل في قوله تعالى: ﴿ولَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ولَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ [الزمر:٦٥].
فهذا هو الشرك بالله وعدم الإيمان به عز وجل وباليوم الآخر والذي يظلم المرء به نفسه ويخسرها ويخسر أهله وأسرته بأن يلتقي بهم في الجنة، ويفقد حياته وكل أسباب سعادته في الدنيا والآخرة، وذلك بسبب خسران النفس وإضاعتها وذلك بالتكذيب بالقيامة وترك العمل وإتباع الهوى والشيطان في ذلك. فهذا بلا شك هو الخسران المبين المذكور في الآية الكريمة أعلاه....
ولكن أقصد خسران المسلم عمره وضياع وقته فيما لا جدوى منه وعدم الاستفادة من فرصة الحياة الدنيا واغتنامها فيما يحقق السعادة في الدنيا والآخرة. لأن المسلم يعلم بأنه مخلوق لهدف وأن هذه الحياة ليست إلا محطة يمر عبرها ثم يغادرها إلى دار الخلود. فالدنيا بالنسبة الكافر جنة وبالنسبة للمسلم سجن ينطلق في الأعمال الصالحة ليتحرر منه إلى دار البقاء والنعيم بتوفيق الله.
قال تعالى:﴿وَٱلۡعَصۡرِ ١ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِی خُسۡرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ ٣﴾ [العصر ١-٣]
وكما ذكر الشيخ الشعراوي في تفسيرها قائلا( فالله تعالى يريد أن يعدي الإيمان والأحكام إلى أن تكون سلوكا عمليا في حركة الحياة).
فالإنسان مؤكد أنه داخل في هذا الخسران مالم يشمله الاستثناء الوارد في الآية الكريمة (إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
فكيف يدخل الإنسان في الاستثناء بالإيمان والعمل الصالح وإتباع الهدي النبوي واجتناب خطوات الشيطان واتخاذه عدوا ، فالإيمان والعمل الصالح والتواصي بين المؤمنين بالحق والصبر هو الذي ينبغي على المسلم إنجازه والمسارعة فيه واغتنام الأوقات والليالي تمر وتنقضي سريعاً دون أن يشعر المرء بالعمر يمضي..وكل اللحظات التي يعيشها تصبح ماضي وذكرى ويطويها النسيان..وتذهب لذة المعصية ويبقى وزرها مكتوبا ، وتذهب صعوبة الطاعة ويبقى أجرها في صحائف أعمالنا ..
فإذا انتبه المسلم واستشعر الخوف من التقارب في الزمان وسرعة مروره انتهز الفرص واغتم ايام عمره ولياليها ، اغتنم الخمس قبل الخمس كما جاء في السنة النبوية المطهرة (حديث ابن عباس رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - ﷺ - قال: (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك). ويُفهم من الأمر بالاغتنام أن هذه النعم معرضة للزوال ودوام الحال من المحال والعاقل من بادر باغتنامها قبل زوالها...
وأكثر الساعات التي يتحسر عليها أهل الجنة ضياع ساعة مرت دون أن يذكر الله فيها..
فقد قال صل الله عليه وآله وسلم: (لن يتحسر أهل الجنة على شيء، إلا على ساعة مرت عليهم في غير ذكر الله عز وجل)
فما دام أن كل شيء إلى زوال وأنه يمضي فمن الكياسة المسارعة في الخيرات واغتنام الأوقات حتى لا يمر اليوم إلا وهو حافل بالإنجازات ولا تمر الليلة إلا وقد عمّرناها بالذكر والطاعات وخفيف الركعات وخالص الدعوات، ولا تمر لحظات الصمت وتوارد الخواطر والأفكار إلا وقطعناها بالاستغفار،ولا تمر لحظات الانتظار وسويعات الأسفار إلا وعمّرناها بذكر الله والصلاة على النبي صلّ الله وسلم وقراءة القرآن، رجاء أن يجعل الله لنا مكاناً في جنة عرضها الأرض والسموات ، قال تعالى:﴿وسارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وجَنَّةٍ عَرْضُها السَّماواتُ والأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)﴾ سورة آل عمران .
فنسأل الله تعالى العون والسداد ، كما كان يدعو رسول الله صل الله عليه وسلم قائلا (اللهم سددني)
وأوصى سيدنا معاذ رضي الله عنه بأن لاينسى أن يقول دبر كل صلاة (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)
اللهم نسألك البركة في العمر والوقت والتوفيق والسداد في تحصيل الأعمال الصالحة وأن يكتب لنا القبول إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الخسران/ يضيع/ الإنسان.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع