مدونة الدكتور حميد ابولول جبجاب
ايران وتركيا سنوات من الصراع / الجزء الثالث
الدكتور حميد ابولول جبجاب | heemed Apoulol Chibchab
2/8/2023 القراءات: 1532
أما إيران فقد تمسكت بحيادها مؤقتاً، حيث كان الشك يراود الشاه من احتمال مهاجمة الجيوش السوفيتية للأراضي التركية مما يضع إيران في خيار صعب، لا سيما وأن تركيا تسعى إلى كسب ودّها حتى لا تكون نقطة انطلاق لمهاجمة الأراضي التركية، كما دعت إيران إلى عقد اجتماع طارئ داعمة لتركيا، إذا أقدمت الجيوش السوفيتية على اجتياح الأراضي التركية، لكن الموقف الإيراني تغير، ففي مايو عام1941م اجتاحت قوات الحلفاء (بريطانيا والاتحاد السوفيتي) الأراضي الإيرانية، وانهار جيش (رضا شاه) ولم تكن هناك مقاومة تُذكر للاحتلال سوى مقاومة بسيطة, رغم دعوة الحكومة للجهاد ضد القوات المحتلة. وترتب على الغزو (الانكلو- سوفيتي)لإيران جملة نتائج، فقد قسمت البلاد إلى ثلاثة أقسام؛ إذ سيطر السوفيت على الولايات الشمالية الخمس (أذربيجان، وكيلان، ومازندان، وخراسان، وجرجان) في حين سيطر البريطانيون على الأجزاء الجنوبية والغربية، وهي إقليم الأحواز وجزء من كرمنشاه، أما المنطقة الثالثة فكانت منطقة حياد وتشمل (طهران، وأصفهان، ومشهد).
وعلى ضوء ما جرى في إيران وبضغط من السوفيت والبريطانيين تنازل (الشاه) الذي تولى الحكم لمدة ستة عشر عاماً (1925-1941م) عن العرش لولده (محمد رضا) البالغ من العمر22سنة، ثم ترك إيران ليموت في المنفى بجنوب إفريقيا عام 1944م.
وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية طمع كل من الروس والإنكليز بالبقاء في إيران وتقسيمها بينهما، لكن الحكومة الإيرانية تغلبت على المصاعب بمساعدة مجلس الأمن، وفي (2 /مارس/ 1946م) رحل الإنكليز عن إيران، في حين اضطرت القوات الروسية إلى الرحيل بعد ذلك في مارس 1946م.
أدى وصول(محمد رضا بهلوي) إلى الحكم إلى تحقيق نوع من التنسيق السياسي في الاتجاهات الخارجية للطرفين، لاسيّما وأن الدولتين بدأتا تسيران في فلك الدول الغربية والمعسكر الغربي لحاجتهما إلى المساعدات الاقتصادية التي نجمت عن تدهور اقتصادهما بسبب قيام الحرب وما رافقها من كساد تجاري كبير، انعكس بشكل سلبي على أوضاعهما بشكل عام، وشهدت السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية تنسيقاً سياسيا في مواقف تركيا وإيران حيال الاتحاد السوفيتي، وضرورة الوقوف بوجه امتداد نفوذه إلى بلادهما، وكان ذلك متزامنا مع الرغبة الغربية في تقديم المساعدات الاقتصادية للأتراك والإيرانيين بشرط مكافحة الشيوعية.
جاء ذلك منسجما مع سياسة الحكومتين الإيرانية والتركية حتى عام1950، الذي شهد وصول حزب جديد للحكم في تركيا هو (الحزب الديمقراطي)، وانعكس ذلك على علاقات الأخيرة مع إيران.
وفي الخامس عشر من مارس عام 1951م أصدر مجلس النواب الإيراني قرار تأميم عمليات شركة النفط الإنكلو- إيرانية(Anglo-Iranian Oil Co) ، وبعد خمسة أيام صادق مجلس الشيوخ عليه وصار قانوناً وتحقق حلم الجماهير الإيرانية؛ ولذلك عهد الشاه إلى (محمد مصدق) ، بتشكيل الوزارة فشكلها يوم 6 مايو عام 1951م، وقرر مجلس الوزراء رفع يد بريطانيا عن النفط، وكان من الطبيعي أن تدخل حكومة(مصدق) في صراع مع الحكومة البريطانية، لتأميمها للنفط لأن شركة الإنكلو- إيرانية، لم تكن شركة تجارية فحسب وإنما كانت تمثل مصالح الحكومة البريطانية داخل إيران، وشكلت هذه الشركة بمرور الزمن دولة داخل الدولة؛ لذلك لم يكن بأي حال من الأحوال أن تقف الحكومة البريطانية حيال عملية تأميم شركتها موقفا متفرجا؛ لذا خاضت عبر سنوات امتدت من عام 1951-1953م صراعاً مريراً نجم عنه أخيراً إسقاط حكومة (مصدق) وفشل تأميمها للنفط الإيراني.
لكن موقف الحكومة التركية من أحداث تأميم النفط الإيراني كان قد تميز بالانحياز إلى الحكومة البريطانية وإن تظاهر بالحياد، فعلى الرغم من وجود فئة قليلة من السياسيين الأتراك من أعضاء وقياديي الحزب الديمقراطي الذين ساندوا إيران في موقفها مدعين أن الإيرانيين في تحملهم هذا (إنما يحاولون إن يحققون لأنفسهم ما حققه (مصطفى كمال أتاتورك) في تركيا) ، إلا أن معظم قادة (الحزب الديمقراطي) وأغلبية أعضائه كانوا قد ساندوا بريطانيا في موقفها من الصراع النفطي مع إيران، منطلقين من أن (قضية النفط الإيراني تمس بشكل أساس سِلم العالم الذي يهم الدول الديمقراطية ومن ضمنها تركيا التي اهتمت بهذه المسألة كثيراً؛ لذلك فإن إسناد الحكومة التركية لبريطانيا في هذه القضية أمر يهم العالم بأسره لأنه يبغى المحافظة على السِّلم والأهم من ذلك أن النفط الإيراني الذي يبلغ إنتاجه السنوي حوالي(31) مليون طن، قد تستولي عليه روسيا السوفيتية سواء كان ذلك عن طريق الاتفاق مع إيران أو عن طريق التدخل في شؤونها الداخلية) ؛ وذلك يتعارض مع مصالح تركيا المعادية للسوفيت.
ومما تقدم نستخلص ، أنَّ مع بروز الدول القومية في الشرق الأوسط لم يشكل الاختلاف الديني أو المذهبي عائقاً في تنامي العلاقة بين الدول، بقدر ما يكون للمصالح السياسية والاقتصادية الدور الأساس في بنائها، كما أسهمت مجموعة من المتغيرات الداخلية والخارجية بالتأثير في تلك العلاقات بين البلدين وكانت نتاج عوامل مشتركة ومعطيات متبادلة دفعت العلاقات نحو التوتر أحياناً ودفعتها باتجاه التنسيق المشترك أحياناً أخرى، تحقيقاً لمصالحهما العليا درءاً لمخاطر يمكن أن تتعرض لها الدولتان بسبب الأهمية لموقعهما الجغرافي المتميز لكلا البلدين، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ومجيء الاحتلال الروسي البريطاني للأراضي الإيرانية, لكن حنكة السياسة الإيرانية أدت إلى رحيل الإنكليز عن إيران وتلتها القوات الروسية، حيث كان الموقف التركي من تأميم النفط الإيراني انحياز تركيا التام للحكومة البريطانية رغم تظاهرها بالحياد؛ وذلك من أجل مصالحها مع الدول الغربية والاستفادة أكثر من المساعدات الاقتصادية.
تاريخ صراع
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة