مدونة د. عامر ممدوح


حروب الاسترداد : تفكيك المصطلح وتبيان الدلالة

د. عامر ممدوح | Dr. Aamer Mamdoh


5/9/2019 القراءات: 11459  



اطلقت الممالك الاسبانية على الحروب التي خاضتها ضد الوجود الاسلامي في الاندلس اسم ( حروب الاسترداد Reconquista) وهو اسم له دلالاته ..
وسنحاول الوقوف عند بعض منها :

اولى تلك الدلالات انها كانت حروب ذات هدف استراتيجي وليس مرحلي.
غايتها تنتهي عند محو الوجود الاسلامي في الاندلس ، لا السيطرة على الارض فحسب ، وهو ما حصل طيلة القرون الطويلة التي بقيت مستمرة خلالها ، وما اعقب سقوط غرناطة من عمليات افناء ذلك الوجود .

‏ولأن حروب الممالك الاسبانية كانت ذات هدف استراتيجي ، فقد استمرت وبضراوة ، ولم تكن لتنتهي عند احتلال مدينة ما مهما كانت مؤثرة ، بل بقيت تقضم الكيان الاسلامي شيئا فشيئا حتى النهاية .. ومهما طال الوقت والزمان .

وقيام هذه الحروب على فكرة ( الاسترداد ) جعل ( التحدي الخارجي ) قائما ولم ينتهي مهما خفت او ضعف في اوقات قوة الكيان المسلم ولا سيما في عصر الخلافة الاموية ...
ولم يقدر لبلد او دولة ان تواجه ضغطا متواصلا ، وجيرانا يتربصون بهم ليل نهار ، مثل الاندلس التي عانت وبشكل لا يوصف ..
لذلك يصح القول ان هذا التحدي كان ابرز اسباب سقوطها .. وان العوامل الأخرى كانت تليه .

ثم انها حروب أسست على نظرية الاحقية في الارض واستردادها ، ليس بالمعنى القومي الذي قد يختلف فيه تاريخيا ، ولكن بالمعنى الديني والمتمثل باعادة شبه الجزيرة الايبيرية الى المنظومة المسيحية ، واخراجها من المنظومة الاسلامية وقتذاك .

ان هدف انهاء الوجود الاسلامي في الاندلس ظل هو الأساس ، لا تغيره اي علاقات سياسية او اقتصادية او سفارات دبلوماسية ، فتلك كانت تبعا لموازين القوة والضعف لدى الطرف الاسباني ، والذي كان يمحوها - على الرغم من التزام المسلمين المستمر بها - في لحظة واحدة من العدوان .

والبعد الديني كانت ماثلا وواضحا ، بل كان وقود المواجهة لدى الطرفين ، وهو امر مفهوم في تلك المرحلة التي نمت وتغذت فيها المشاعر الصليبية ، وكانت تحت رايتها تسقط مدن الأندلس .

ولكن شتان بين رسالة الاسلام العادلة المتسامحة وبين رسالة ( حروب الاسترداد ) التي أسست على معاني الانتقام والعدوان ونكث العهود والمواثيق.


الأندلس ، حروب الاسترداد ، فلسفة التاريخ ، الاعتبار


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع