اصطياد الفكرة المبدعة : حجر الزاوية ونقطة الانطلاق في البحث التاريخي
د. عامر ممدوح | Dr. Aamer Mamdoh
5/9/2019 القراءات: 3504
ينظر البعض إلى حقل الدراسات الإنسانية عامة ، والتاريخية منها على وجه الخصوص ، على انه حقل سهل التخصص والغوص فيه ، كونه يعتمد على المصادر المدونة ، وبالتالي لا يتعدى عمل المؤرخ ـ مثلاً كما يرون ـ عملية ترتيب لبضعة نصوص في محور معين ، وهو اعتقاد خاطئ مهما أقدم على ذلك بعض من المنتسبين لهذا التخصص . في حين يتعدى عمل المؤرخ عملية جمع النصوص وترتيبها من جديد وفق نسق محدد ، فهو يعمل على نقل الماضي إلينا اولاً ، واعادة استنطاق حوادثه ثانياً ، واستخلاص جوهر ومعنى ما حدث ثالثاً ، وبين تلك المهام ثمة دور تفصيلي وبالغ الأهمية والتعقيد يضطلع به . ولكن نقطة الشروع والانطلاق في ميدان البحث التاريخي إنما تدور حول النجاح في اصطياد الفكرة الخلاقة ، والتي تتأسس على الرؤية المبدعة، وهو امر ليس باليسير ، ويحتاج قدرة وامكانية والمام واستيعاب لحركة التاريخ ، ووعي بمساراتها ومدلولاتها . خذ مثلاً من الأفكار التي من الممكن ان تنفذ وتأتي بنتائج محفزة للدارسين لاستكمال هذا المشوار الذي لن ينتهي ما دام يقوم على الفهم البشري المتطور باستمرار والمختلف في زوايا النظر بحكم فطرة الله : منها دراسة الاستقرار العربي الإسلامي في الأندلس على الخارطة بما يمنح التصور لمكامن التركيز لفئات محددة وسببه ، ومن ثم الربط بينها وبين خارطة عصر الطوائف ، واستجلاء العلاقة بين الجانبين ، للخروج بتصور عن سهولة ما حصل من انقسام ، وسبب تركزه بين عدد من الشخصيات التي لم تكن تمتلك إلا القلة وجوداً داخل المؤسسة الأموية الحاكمة . وكذلك يمكن تبيان مدلول مصطلحات ( المد والتراجع والانتعاش والانحسار ) التي مر بها تاريخ الأندلس واقعاً على الخارطة ، ليدرك الملتقي حين نذكرها ما نريد قوله ومعناه ، ومنها كذلك ايجاز تاريخ الأندلس ذاته بمجموعة من الأسئلة التي قد تصل لـ30 سؤال . ومنها تطبيق المفاهيم المعرفية الحديثة على تاريخ الأندلس ، من تحليل النص والخطاب ، وتطبيق مفاهيم علم النفس على احداثه وشخصياته ، واستجلاء المتغيرات التي طرأت على الشعب والمجتمع بشكل عام بين اوقات الازدهار والقوة مقارنة بمراحل التراجع والضعف ، وتوظيف النوازل لتكون مصدراً للتاريخ الاجتماعي والاقتصادي بل والديني ... وهكذا . المهم ، ما نريد قوله هنا ، ان التاريخ يبقى هو هو بأحداثه وشخصياته ، يحتاج تدقيق نعم دون شك ، ولكن ما يحتاجه بشكل اكبر هو اعادة القراءة بعين ثاقبة ، وتقديم نتاج متمايز عما كان يقدم سابقاً من غلبة السرد على التحليل ، وطغيان الأحداث على الرؤية الشمولية ، وتكديس النصوص لا تفكيكها . ومن ينجح باصطياد الفكرة ينجح بمهمته المطلوبة لدراسة التاريخ كما يجب ان تكون لا كما ينظر لها خطأ باعتبارها تجميع وترتيب للنصوص والروايات .
منهج البحث التاريخي ، الأندلس ، فلسفة التاريخ ، تفكيك النصوص ، تحليل الخطاب
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
نفع الله بعلمك
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة