جهود النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أنشاء سوق المدينة المنورة في عصر الرسالة
د. نكتل يوسف محسن | Dr. Naktal yousif mohsen
3/14/2020 القراءات: 17143
لقد بذل رسول الله صلى الله عليه وسلم جهوداً كبيرة في سبيل إرساء دعائم دولة المدينة ، إذ أن أهتمامه بالدعوة ونشر الاسلام لم يصرفه عن ترسيخ أركان الحياة الأقتصادية والأجتماعية في المدينة المنورة ، ومن تلك الأركان " أنشاء سوق المدينة " . فقد كانت التجارة المدنية قبل الهجرة على الأغلب حكراً على اليهود وبالأخص يهود بني قينقاع ، إذ كان لهم سوق يعرف بأسمهم " سوق بني قينقاع " يبيعون فيه تجارتهم ويمارسون الربا مستغلين حاجة الناس الى أقصى حد ، وفي المقابل أنشغل العرب في المدينة بأصلاح زروعهم ومعالجتها ، فتركوا الساحة التجارية خالية من أي منافسة . وقد ترتب على هجرة المسلمين من مكة الى المدينة أثاراً أقتصادية كبيرة الى جانب غيرها من الأثار الدينية والأجتماعية ، إذ أن العديد من المهاجرون كانوا قد أحترفوا التجارة ، حيث أمتزجت الأفكار التجارية فيهم أمتزاج الروح بالجسد ، وأمست شهرتهم فيها حديث الناس أين ما حلوا ورحلوا ، ولذا ولد هذا الأمر شعوراً سلبياً عند تجار بنو قينقاع ، مفاده أن هؤلاء التجار سينافسونهم في التجارة ، ويكسرون الطوق التجاري الذي فرضوه على السوق ، لذا فقد وجد المهاجرون نوعاً من المضايقة في تعاملهم مع اليهود . وقد حفز هذا الأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنشاء سوقاً مستقلة عن سوق اليهود لعدة أسباب منها : أعطاء الفرصة لتطبيق مبادى الاسلام في التجارة ومنع الإضرار بالأخر أولاً ، وتوفير فرصة عمل للتجار المكيين الذين فقدوا تجارتهم بسبب الهجرة ثانياً ، وتلبية متطلبات أهل المدينة الذين زاد عددهم زيادة ملحوضة بعد الهجرة ثالثاً . وقد كانت هناك عدة أفكار تشغل النبي في أنشاء هذا السوق ، فقد روي أن النبي ، جاء سوق المدينة فضربه برجله وقال: هذا سوقكم؛ فلا يضيق، ولا يؤخذ فيه خراج ، [السمهودي – وفاء الوفا] وهذا يعني عدة أمور من الناحية العملية منها : جعلها سوقاً واسعة تتسع للجميع ، ومنع تضيقه أي التجاوز على أرضه أو أقتطاع مكان معين لشخص معين ، فضلاً عن أتساعه للخبرات المكية الوافدة وفك الشراكة مع بني قينقاع في التجارة ، فضلاً عن أعفاء من يزاولون التجارة فيها من الضرائب أي جعلها (سوق حرة) وفق التعبير المعاصر ، أضافة الى جعلها ملكية عامة للتجار فليس لأحد فيها مُلك خاص ، فهي لهم جميعاً بحيث يكون الوقوف في موضع البيع حسب أسبقية الحضور ، وهو أمر يعكس القدرة العقلية الفذة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأمكانيته في أدارة الدولة الحضارية . ولم تقف أجراءات النبي صلى الله عليه وسلم عند هذا الحد ، فقد أقتضت سيرته العطرة في التجارة أن تزال أسباب الخلاف المترتبة على المعاملات التجارية ، والتي تنطوي على الكثير الظلم ، وتتسبب بالخلافات بين التجار ومن امثال هذه الامور ، الربا والغش والغرر واستقبال الناس عند بداية السوق واخذ بضائعهم بثمن اقل من ثمن السوق وبيع المحصول قبل أوانه وغيرها الكثير[إبراهيم الشريف – مكة والمدينة ] ، مما أعطى الحياة الأقتصادية في المدينة النبوية الأمان من خلال الثقة التي لمسها التجار من النبي والمسلمون ، وأصبح سوق المدينة الفتي حديث الناس في صدق التعامل ومنع الجور والاستغلال . ملخص ورقة بحثية قمت بتقديمها خلال مشاركتي في الندوة العلمية التي أقامتها دائرة التعليم الديني والدراسات الاسلامية – نينوى
سوق، المدينة، الرسول، التجارة، المسلمون
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف