ا.د/ سعاد جابر محمود


هل يمكن تنمية الحكمة لدى المتعلمين من خلال تدريس اللغة؟

سعاد جابر محمود حسن | SUAD Gaber Mohamed


10/7/2021 القراءات: 3349  


هل يمكن تدريس الحكمة: حاول كثيرون الإجابة عن هذا السؤال حيث ذكر فوكالت Foucault (2005) أن قراءة الفلسفة ونماذج الأدب الكلاسيكية يمكن أن تساعد على تسليط الضوء على الفروق التاريخية بين الحكمة كمذهب للمعرفة، والحكمة كممارسة تشاركية، إن الحكمة كجزء من الدراسة الأدبية هي على الأقل قديمة مثل المدارس الهلنستية، و التدريس من أجل الحكمة بدأ تاريخيا منذ عصر الفراعنة حيث ذكر أن" الكتب المصرية للتعليم ركزت على تقديم النصائح للجيل القادم حول كيفية العيش بشكل جيد مع الأمثال والنصائح العملية حول كيفية التصرف في العالم الاجتماعي. وتمت دراسة هذه النصوص في المدارس المصرية منذ 1550-1100 قبل الميلاد، واستخدمت كمواد لاكتساب مهارات القراءة والكتابة.
و عرف أدب الحكمة فى مصر القديمة باسم Sebayt "سبایيت أي التعاليم التي ترشد الإنسان للطريق القويم، ومن أشهر حكماء الدولة القديمة الأمیر "حور دجد اف" ابن الملك خوفو، و الوزير "كاجمنى"و الحكيم "بتاح حتب" و من عصر الانتقال الأول حفظ قدماء المصریین التعاليم التي لقنت للملك "مرى كا رع" ، و من عصر الدولة الوسطى حفظوا وصایا الملك أمنمحات الأول لابنه الملك سنوسرت الأول.
أما عصر الدولة الحديثة فأشهر تعاليم الحكمة التي تنتمي إلیه تعاليم الحكيم "آنى" التي تتميز عما سبقها من نصوص أدب الحكمة بأنها موجھة للعامة و ليس لطبقة النبلاء وتشتمل على حيوية و تجارب أكثر مما فى التعاليم السابقة و الحكيم "أمنموبى" ، و التعاليم التي لقنت للوزير كاجمنى تناولت الفضائل، ومنها: الحياء، والاستقامة، وتعاليم الحكيم بتاح حتب حيث احتوت تلك النصوص الفلسفية قيمًا عليا، مثل: العدل و الصدق و التواضع و الرحمة و ضبط النفس، و تفادى الصراعات كلما كان ذلك ممكنًا، ولا ينبغي أن يعتبر ذلك ضعفًا .ووصايا الملك أمنمحات الثالث لابنه الملك سنوسرت الأول.
رأى أرسطو وأولئك الذين تابعوا تعاليمه أن الحكمة العملية، هي الاهتمام بكيفية تطبيق المعرفة الحكيمة في شكل قرارات جيدة،كما أشار ماكلر وستودنجر( 2008 (Mickler & Staudinger إلى أنه يمكن النظر إلى التجهيزات التعليمية كمواقع يمكن أن تشجع على تنمية الشخصية الحكيمة، إذا اعتبرنا أن التعليم عن الحياة والحكمة لا يقتصر على ما يسمى بالطلاب الحكماء، بل هو لصالح جميع الطلاب.
كما وضع ستيرنبرج Sternberg (2001) مقترحات عملية للفصل، منها: توفير الدعم المتناقص للتأمل الذي يمكن أن يؤدي إلى الحكمة. وتسليط الضوء على مجموعة متنوعة من وجهات النظر حول العالم، وأن تشجع المناقشة في الصف التفكير الحواري وعرض وجهات نظر متعددة، والتفكير الجدلي.
وأن يقرأ الطلاب عن الأحكام الحكيمة وصنع القرار فى سياق أحداث حتى يفهموا أن هذه الوسائل للحكم وصنع القرار موجودة. وأن يساعدهم المعلمون على تعرف مصالحهم الخاصة ومصالح الآخرين، والمؤسسات، وأن يعلموهم أن الوسائل التي بها تدرك الغايات مهمة وليس فقط الغايات، كما يحتاج الطلاب أن يشجعوا على صياغة قيمهم ونقدها وتكاملها مع تفكيرهم، وأن يفكروا جدليا، وإدراك أن الأسئلة وإجابتها تتغير عبر الوقت، وأن الإجابة عن أهم سؤال في الحياة يتغير من وقت لآخر عبر حياة الفرد.
وقد أكد ستيرنبرج Sternberg( 2012 ) ضرورة تعليم الحكمة بذكر أربعة أسباب تحتم تدريس الحكمة، هي: أن المعرفة لم تعد كافية ولا تضمن السعادة والرضا؛ فالحكمة وسيلة أفضل لإنجاز هذه الأهداف، وتوفر الحكمة طريقة جيدة لدمج القيم والتفكير في الأحكام المهمة، وتمثل فضيلة لتشكيل عالم أفضل، كما أن هؤلاء الطلاب سوف يصبحون آباء وقادة، وهم جزء من المجتمع الأكبر، وسوف ينتفعون من تعلم الحكم الصحيح، والتصرف السليم في مجتمعاتهم.
وقد ذكر العاسمى ( 2014) أن هناك عددًا من الأساليب يمكن من خلالها تنمية الحكمة، وهى: تحليل محتوى الإنتاج الفكري الذي يتسم بالحكمة مثل تحليل محتوى كتابات الحكماء، و المـران والتدريـب على المنطـق، و مجالسـة الحكمــاء وسـؤالهم، وممارسة عملية التنمية الذاتية، وممارسة النقد الذاتي.
يتبين من طبيعة التدريس من أجل الحكمة أن منهج اللغة العربية يمكن من خلاله تدريس الحكمة؛ حيث يمكن ممارسة مهارات التفكير التحليلي من خلال تحليل دروس القراءة لاستخراج أفكارها الجزئية والقيم المتضمنة، وتحليل الأبيات الشعرية لتوضيح أثر البيئة في النص وأثر شخصية الشاعر في كلماته وتعبيراته فهي مهارات لغوية تتطلب أن يفكر الطالب تفكيرًا تحليليًا. كما يمكن التدريب على مهارات الإبداع في اللغة وممارسة مهارات التفكير الإبداعي من خلال أنشطة لغوية مثل: تأليف قصص قصيرة أو أبيات شعرية أو جمل نثرية تعبر عن أفكار معينة أو وضع نهاية لقصة معينة.
ومحتوى دروس القراءة والأدب يمكن أن يستمد من الخبرات الحكيمة في العصور السابقة والعصر الحالي كأمثلة على اتخاذ القرارات الحكيمة أو الحمقاء وأثرها في حياة الفرد والأمة.


التدريس- الحكمة- المهارات اللغوية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع