مدونة فيفي أحمد توفيق خليل


حول المنهج الاثنوجرافي وخطواته :

أ. د / فيفي أحمد توفيق خليل | Prof .Fify Ahmed Tawfeek Kalil


6/7/2020 القراءات: 6888  


حول المنهج الاثنوجرافي وخطواته :
تعني الأثنوجرافيا الدراسة "الوصفية" لأسلوب الحياة ومجموعة التقاليد ، والعادات والقيم والأدوات والفنون والمأثورات الشعبية لدى جماعة معينة ، أو مجتمع معين ، خلال فترة زمنية محددة ، وعليه فإن مفهوم الأثنوجرافيا يتحدد – أكاديمياً- بأنه : الوصف الدقيق والمترابط لثقافات الجماعات الإنسانية .
ويعد هذا المنهج من أشهر المناهج المستخدمة في الحصول على معلومات علمية دقيقة حول الظاهرة المدروسة ؛ فالمبدأ العام المبني عليه هذا المنهج هو أن الباحث يحصل على المعلومات والبيانات حول الظاهرة الاجتماعية التي يريد دراستها من واقع الميدان ذاته .
ومصطلح اثنوجرافي استعمل فترة من الزمن ليشير إلى نوع خاص من البحوث الكيفية ، وهو البحث الذي يقوم به أنثروبولوجي ينخرط مباشرة في وصف ثقافة فرد أو جماعة اجتماعية معينة . وقد شاع استعمال هذا المصطلح بين الأنثروبولوجيين وعلماء الاجتماع على السواء ليشيروا به إلى أي بحث كيفي يقوم على الوصف عن قرب لثقافة فرد أو جماعة ، أو لما تشتمل عليه ثقافتهم من مدركات ومعاني ومنظورات ولكيفية تعاملهم في حياتهم اليومية وداخل مؤسساتهم الطبيعية .
خطوات المنهج الاثنوجرافي:
يقصد بالمنهج الاثنوجرافي الدراسة الميدانية العلمية للظواهر الاجتماعية وذلك عن طريق اتصال الباحث الانثروبولوجي بموضوع البحث اتصالاً مباشراً يعيش فيه بين الجماعات المراد دراستها ويتعلم لغة الأهالي لكي يوثق صلته بهم.
إن المنهج الاثنوجرافي القديم لم يكن هو المنهج العلمي الأمثل حيث إن المقارنة فيه لم تُجرَ بطريقة علمية متميزة ؛ فالمقارنة في مراحلها الأولى بدأت بالرحلات ومحاولة مقارنة المجتمعات مع بعضها البعض والتي أنشأت ما يسمى بـ"التتبع التاريخي" للظواهر الاجتماعية أو ما يسمى بالنظرية التطورية وذلك عن طريق الاكتفاء بالقراءات الواسعة وجمع المعلومات المدونة بواسطة الرحالة والمبشرين والتجار ولم يقم أي باحث انثروبولوجي بالنزول إلى الميدان بنفسه لجمع المعلومات وتدوين الملاحظات .
وتعد دراسة "راد-كليف براون" لجزر الاندمان أول دراسة ميدانية مهمة تلتها دراسة العالم البريطاني الشهير ورائد الدراسات الميدانية "مالينوفسكي" لجزر التربورياند والتي استغرقت أربع سنوات ، ولا يمكن إغفال الدراسة المهمة للأميركي " لويس مورغان" لمحيط مجتمع نيويورك نهاية القرن التاسع عشر.
ويمكن تحديد أهم خطوات المنهج الاثنوجرافي فيما يأتي :
1- Observation : وتعني " الملاحظة "، وهي من أهم طرق البحث الانثروبولوجي ، والملاحظة تعني ملاحظة الباحث للمجتمع المدروس في التعرّف على صفات وخصائص ما يدرسه من خلال وصفه له .
وأعمق منها منهجياً " الملاحظة - المشاركة" observation-participation إلاَّ أنَّها عملية غير ممكنة كما يرى البعض ، وقد يكون بسبب في ذلك هو أن الباحث يكون غريباً عن المجتمع الذي يدرسه.
والمقصود هو أن الباحث الاثنوجرافي غالباً ما يتأثر بمنطلقاته النظرية ، ومواقفه الأيديولوجية ، وتكوينه الذهني والنفسي ، والتي لا بدّ أن تؤثر في نتائج دراسته خصوصا عند استخدام منهج " الملاحظة- المشاركة".
2 - Processes : وتُدعى "العملية" وتكون العملية عادةً تلقائية غير مخططة ، فهـي صيـرورة والصيرورة شيء يحصل في كل مرة. إن أهم صفة في العملية هي أنها تتكرر نمطيا ً، فلا تشذ عن النمط. ومن أمثلة ذلك : "الزواج" فهو يتكرر حدوثه كـ"طقس" في مجتمع معين لثلاث مرات أو أكثر خصوصاً إذا كان هذا المجتمع يتمتع بدرجة عالية من الوحدة والتجانس. أما في المجتمع المتعدد "المركب" فتكون ثمة مشكلة تطال عامل الـ "processes" ذلك أن لكل طبقة أو فئة طقوسها ونشاطها الخاص بها.
3 - description : وهو ما يُسمى بالوصف والذي يعد من أهم خطوات البحث الاثنوجرافي الذي يمارسه الباحث الاجتماعي ، هنا يقوم الباحث بوصف ما يرى فقط وصفاً أميناً دقيقاً لما يحدث .
إن عملية "الوصف" هذه تتميز بأنها عملية شاقة ترهق الباحث الاثنوجرافي فهو مطالب في حالته هذه أن يكون دقيقا جدا فيما يدونه من معلومات أو بينات ، كما يفترض عليه أن لا يصف كل ما يشاهده ، وإنما يقتصر على البيانات التي يمكن أن تفيده وتعينه في موضوعات دراسته ، فليس كل وصف يمكن اعتباره وصفا أثنوجرافيا ، فمهمة الباحث هنا تختلف كثيرا عن مهمة غيره من المتخصصين الآخرين الذي يهتمون بوصف كل ما يقع تحت ناظريهم من أخبار أو معلومات والتي لا تعدو أن تكون بيانات نظرية غير مفيدة بالمرة ، لذلك فإن الباحث الانثروبولوجي يتمتع بخصوصية تميزه عن غيره في عملية تجميع المعلومات من الوقائع الميدانية .
Analysis- 4 : ويقصد به التحليل ، فعندما يعمد الباحث إلى جمع المعلومات وتتوفر لديه يربط العمليات processes مع بعضها البعض ، بحيث يجد عن طريق عملية الربط هذه أن هناك علاقات وصلات بينها، ويصل أيضاً عبر ذلك إلى تحليل محتوى العلاقات وكيف يمكن أن تسير، وما هي درجة الانسجام والتناقض بينها؟ ، وكذلك الآثار التي تترتب على ذلك .
هنا يعمد الباحث الاثنوجرافي إلى تحليل كل فئة من هذه الفئات إلى وحدات وفئات أصغر، أي ترتيب هذه الفئات وتنظيمها وتفكيكها، وفي هذه المرحلة من الممارسة الاثنوجرافية تبدأ اللمسات الاثنولوجية واضحة بحيث يعمل الباحث على استظهار قنوات البناء والتفكيك للظاهرة الاجتماعية من خلال ما التزم به من معطيات خارجية .
وبعد تحليل هذه الفئات يقوم الباحث في الكشف عن الآثار المسبّبة للظاهرة المدروسة ، ويدقق في طرح مجموعة من المسببات والتي قد تنسجم مع موضوع دراسته ، ثم يخضعها جميعا للفحص والاختبار الدقيق ، ثم يأتي أثر ذلك عملية " التركيب" لهذه الفئات والعمليات من أجل الوصول إلى نتيجة مرضيــة ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن مرحلة أو خطوة "analysis" تعد مرحلة وسطى بين "الوصف" و"التنظير" الذي لا يظهر بشكل ملموس في الأثنوجرافيا .


المنهج الاثنوجرافي - خطوات المنهج الاثنوجرافي .


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع