مدونة د. رداد الكنج


دور البيانات الضخمة في إنشاء المدن الذكية

د. رداد الكنج | Raddad Al King, PhD


12/11/2020 القراءات: 2590  


مرت البشرية، منذ نشأتها الأولى، بمراحل مفصلية عديدة. فبعد مرحلة "الجمع والالتقاط" التي ‏اعتمد فيها البشر على الصيد واكتشفوا كيفية استخدام النار، كانت مرحلة "المجتمع الزراعي" التي ‏اعتُمِدَ فيها على الرعي والزراعة، ووصل البشر فيها إلى مستوى معيشي جيد. وبعد أن تراكمت ‏لديهم الكثير من المعارف المتعلقة بالزراعة وتربية الحيوانات، تم الانتقال إلى مرحلة "المجتمع ‏الصناعي" التي اتسمت بزيادة الإنتاج وتبادل المنتجات، وحققت مستوى مقبولاً من الرفاهية للبشر. ‏إلا أنه في نهاية القرن العشرين، دخلت البشرية في مرحلة "مجتمع المعلومات" التي اعتُبرت حقبة ‏جديدة حصل فيها البشر على العديد من وسائل الرفاهية، وأصبحت أنماط الحياة وطرق العيش ‏تتطور على نحو متسارع. ورافق هذا النمو المتسارع ازدياد حجوم المعلومات المخزنة التي ‏تشمل مختلف مجالات الحياة.‏
لقد قدم لنا "مجتمع المعلومات" حياة عالية الجودة سريعة التطور، ولكن في نفس الوقت ظهرت ‏العديد من التحديات. فظهرت مشاكل التلوث البيئي الذي يهدد صحة الإنسان ويؤثر على الموارد ‏الطبيعية المتاحة. كما ظهرت مستويات غير مسبوقة من تفاوت توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء ‏والاستقطاب الاجتماعي وازدياد البطالة وغيرها من القضايا المهمة التي يجب معالجتها قبل دخول ‏البشرية المرحلة الجديدة الذي يُطلق عليها أحياناً "المجتمع المعرفي".‏
ويفقد هذا التطور الكثير من قيمته ما لم يترافق بإيجاد حلول للمشاكل الناجمة عنه. ولذلك أصبح ‏مصطلح "المدن الذكية" شائعاً في الأوساط العلمية والأكاديمية. فمع توفر تقنيات: التطبيب عن بُعد ‏ووسائل النقل الذكية والإدارة البيئية الذكية وشبكة الكهرباء الذكية وغيرها من الخدمات الذكية، كان ‏لا بُد من الاستفادة من قوة "البيانات الضخمة" (‏Big Data‏). فلا تستطيع تقنيات إدارة البيانات ‏التقليدية التعامل مع البيانات غير المهيكلة التي تستخدمها الخدمات الذكية. ‏
ومن أجل جعل المدن الذكية أكثر فائدة، تحتاج الخدمات الذكية إلى استخراج معلومات دقيقة ‏وصحيحة من البيانات الضخمة، واستخدام هذه المعلومات في فهم المشاكل واتخاذ قرارات صحيحة ‏تسهم في حلها، وتوفر تنبؤات أكثر دقة للمستقبل.
فمع انتشار إنترنت الأشياء، يمكننا جمع البيانات البيئية من كل مكان في المدينة، ويمكننا اكتشاف ‏التلوث في الوقت المناسب وتتبع مصدره ومعالجته.
ومع توفر الأجهزة القابلة للارتداء، يمكن التقاط المعلومات الصحية وجمعها في أي وقت وفي أي ‏مكان. فلا يحتاج الأطباء ولا المرضى إلى المكوث في نفس الموقع؛ حيث يمكن للطبيب الوصول ‏إلى المعلومات الصحية وتقديم الخدمات الطبية للمرضى عن بعد وفي الوقت المناسب.
واستخدام البيانات الضخمة لاستخراج المعلومات المتعلقة بالمرور يجعل خدمات النقل الذكية أكثر ‏كفاءة، فيمكن التنبؤ بالازدحام ويمكن جعل القيادة الآلية موثوقة أكثر.‏ ومع نمو استخدام الطاقات المتجددة، يمكن استخدام الألواح الشمسية وعنفات الرياح لجعل المنازل ‏مكتفية ذاتياً من الطاقة الكهربائية ويمكن أيضاً بيع الفائض منها. فمن خلال شبكة الكهرباء الذكية، ‏لم تعد الكهرباء مجرد مصدر للطاقة بل أصبحت سلعة. والإدارة الجيدة لهذه الشبكة ولوحدات الطاقة ‏الموزعة على مساحات جغرافية متباعدة لا يمكن أن تنجح من دون البيانات الضخمة.‏
ويمكن للمدن الذكية المستخدمة لتقنية البيانات الضخمة أن تقلل من هدر الموارد وتزيد من كفاءة ‏إدارة الطاقة والموارد المتاحة. ويمكن أن توفر البيانات التعليمية الضخمة التعليم لعدد أكبر من ‏الناس، وتخلق المزيد من الفرص المتكافئة وتحد من البطالة، وكل ذلك يسهم في تحقيق ‏استراتيجيات التنمية المستدامة. "المدن الذكية" هي محاولة البشر لبناء مستقبل أفضل، و"البيانات الضخمة" هي تقنية لا غنى عنها ‏لإنشاء هذه المدن.‏


‏"البيانات الضخمة" ‏، ‏"المدن الذكية" ‏


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع