العلاقات الأمريكية العربية: قراءة تاريخية في البدايات الأولى
محـمـد تـنـاح | Mohamed Tennah
4/16/2020 القراءات: 1733
في ظلّ الظروف التي فرضها الواقع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، كان الإهتمام الأمريكي بالمنطقة العربية قد ظهر بقوّة، كان له تاريخه الطويل، فهو مُرتبط أساسًا بطبيعة العلاقة بين الطرفين، التي ترجع إلى الوُجُود العثماني في المنطقة، عندما كان العرب المُسلمين آنذاك يتميّزون بالقوّة التي مكّنتهم من السيطرة على حوض البحر الأبيض المتوسط لسنوات طويلة، ولم يكن الدور الأمريكي آنذاك بارزًا بل كان ضعيفاً، وكانت السُفن الأمريكية تدفع الإتاوات للأسطول الجزائري (التابع للدولة العثمانية آنذاك) للمُرُور عبر المتوسط مُقابل حمايتها، وكانت أمريكا تعيش حالة من العُزلة التامّة، إلى أن إندلعت الحرب العالمية الثانية، بعدها خرجت الولايات المتحدة من عزلتها، من هنا بدأت العلاقات العربية الأمريكية في التعمّق، بعد تراجع الدور البريطاني والفرنسي في المنطقة، وبُرُوز أمريكا كقوّة كبرى، وتنامت بعد الحرب الباردة. وكان إكتشاف النفط في المَنطقة الذي رسم بُعدًا جديدًا في العلاقة، قد زاد من التنافس بين القوى العالمية على ثروات المنطقة.
وقد كانت فترة حُكم الرئيس دوايت أيزنهاور (1953م - 1961م) قد مثّلت بداية التقارب الأمريكي العربي، وهي الفترة التي عرفت فيها المنطقة العربية الثورات الكبرى وإستقلال دولها عن القوى الإستعمارية مثل فرنسا، وهي فترة مُهمّة سعت خلالها الإدارة الأمريكية إلى توطيد علاقاتها مع بُلدان المنطقة في خُطوة منها لإحتواء الإتحاد السوفيتي. أهم ما ميّز هذه الفترة من العلاقات الأمريكية - العربية، هو بُرُوز "مبدأ آيزنهاور" (1).
ثمّ أتت فترة حُكم جُون كينيدي (1961م - 1963م) الذي قدمّ دعمًا صريحًا ومُعلناً للقضية الفلسطينية واللاجئين، وهو سبب من الأسباب التي أدّت إلى إغتياله. أتى من بعده ليندون جونسون (1963م - 1969م) الذي عُرف بدعمه الواسع والمُطلق لـ "إسرائيل"، التي إحتلت في فترته أراضي عربية كبيرة: سيناء والجُولان والضفة الغربية.
أمّا فترة حُكم ريتشارد نيكسون (1969م - 1974م) هي الأخرى عرفت تقديم الدعم الكامل لـ "إسرائيل" ضدّ العرب، وهذا ما حدث في حرب أكتوبر 1973م. فاعلية السياسة الأمريكـيـة في المنطقـة العـربـيـة إنخفضـت قليـلا في فـتـرة حُـكـم جيـرالـد فـورد (1974م - 1977م) بسبـب فضيحـة "ووترغيت" (2) التي ضربت الإدارة الأمريكية في عهد سلفه "نيكسون"، وحرب فيتنام، اللتان فرضتا على إدارة فورد الإهتمام بالأمور الداخلية أكثر من الخارجية، ومع ذلك، فقد نجحت إدارته في الوُصُول إلى إتفاق سيناء الهام بين المصريين والإسرائيليين سنة 1975م.
ثمّ أتت فترة جيمي كارتر (1977م - 1981م) التي وُقّعت فيها إتفاقية السلام "كامب ديفيد" بين الطرف المصري بقيادة أنور السادات والطرف الإسرائيلي بقيادة مناحم بيغن، وهي أهم حدث ميّز العلاقات العربية الأمريكية في هذه الفترة. أمّا فترة حُكم رونالد ريغان (1981م - 1989م) فقد تميّزت بالهُدُوء النسبي في السياسة الأمريكية تجاه العرب.
الهوامش:
(1) دخل هذا المشروع، الذي يحمل إسم الرئيس الأمريكي آيزنهاور حيز التطبيق الفعلي في 4 مارس 1957م، وإستهدف تثبيت النُفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط الغنيّة بالنفط، كما أنّه كان يهدف إلى تحويل الأنظار عن "إسرائيل" وخلق أخطار وهمية من بعض الدول العربية على الأخرى، وربطها في نظام واحد مع "إسرائيل" تقوم فيه الولايات المتحدة بدور التوفيق والتنسيق في جميع النواحي الإقتصادية والعسكرية، كما يستهدف القُبول بفكرة أنّ المُساعدات العسكرية والتعاون العسكري يعني إستخدام الولايات المتحدة جُيُوشها على أساس حماية أراضي الشرق الأوسط والدفاع عن إستقلالها في حال طلبها لذلك، وهذا يعني حقّ الولايات المتحدة في إستخدام قوّاتها لحماية مصالحها في المنطقة، فضلا عن إستقلال دول المنطقة من أي تهديد شيوعي. قوبل المشروع بالتأييد من دول حلف بغداد، الذين عقدوا إجتماعًا في العاصمة التركية أنقرة في 9 جانفي 1957م، لمُناقشة المشروع، وبعد إنتهاء الإجتماع صدر بيانا أشاد بـ "مبدأ آيزنهاور" على أساس مُجابهة الخطر الشيوعي، وأكّد البيان على أهمية حلف بغداد بالنسبة للسلام العالمي. للمزيد أنظر: فهد عباس سليمان السبعاوي، ، العـلاقـات السـورية - الأمريكية "1949م - 1958م"، (الأردن: عَمّـان، دار غيــداء للنشر والتوزيع، 2013م)، ص: 200.
(2) هي فضيحة حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية في سبعينات القرن الماضي بسبب قيـام مُساعدين للرئيـس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون بالتجسّس على مكاتب الحزب الديمقراطي المُنافس لحزب نيكسون الجمهوري، وتسجيل 65 مُكالمة لأعضاء الحزب، المكاتب التي تعرّضت للتجسس تقع في مُجمّع ووترغيت الواقع في واشنطن، وكانت لجنة التحقيق في القضيّة قد طالبت بالأشرطة لكن الرئيس نيكسون رفض تسليمها... وبعد ما تمّ الكشف عن التحقيقات الخاصّة بالفضيحة، والكشف عن مُحتويات الأشرطة كاملة، أقرّت المحكمة الدستورية بعدم دستورية إستخدام الرئيس سلطته لحجب أجزاء من الأشرطة، وأدين الرئيس بثلاث تهم وهي: "إستغلال النفوذ، وعرقلة مسار القضاء، وعدم الإنصياع له"، إضافة إلى تهمة "الكذب على مكتب التحقيق الفدرالي"، حيث إعتبره القضاء مُشاركاً في القضيّة، وبدأ الكونجرس مناقشات لعزله قبل إستقالته في 8 أوت 1974م، ليكون الرئيس الأمريكي الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يُقدّم إستقالته حتى الآن، وبدأت مُحاكمته في سبتمبر من نفس العام قبل أن يصدر الرئيس جيرالد فورد الذي خلفه عفوًا عنه لأسباب صحية. إضافة إلى إستقالة نيكسون وإدانة 48 شخصًا، فقد الحزب الجمهوري خمسة مقاعد و49 مقعدًا في مجلس النواب لصالح الديمقراطيين، وتمّ إجراء تغييرات تتعلّق بتمويل الحملات الإنتخابية وجعلها خاضعة للرقابة الفدرالية. أصبحت هذه القضيّة رمزًا للفضائح السياسية في أمريكا والعالم.
السياسة، السياسة الأمريكية، السياسة العربية، العلاقات الأمريكية العربية، السياسة الخارجية.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع