العدد التاسع مقالات

الإدارة والبداية والنهاية / مقالات

2/18/2021

د . م عصام بخاري

يقول الأستاذ مشاري الإبراهيم: "ستنتهي لعبة المونوبولي في يوم ما؛ حينها ستفقد النقود التي تسابقنا إليها قيمتها، وستساوي مكعبات العقار التي انشغلنا ببنائها أرضًا، حتى المجسمات التي سكبنا فيها أرواحنا ستعود إلى العلبة المستطيلة المظلمة، ستنتهي اللعبة، وسنبقى بعد كل هذا نتساءل: أكانت تستحق كل ما أفنيناه من أجلها؟".. مقالة اليوم تتحدث عن الإدارة والبداية والنهاية..

قبل سنوات طويلة كنت أعمل متعاونا مع إحدى المنظمات العربية في اليابان، وصادف أن زار طوكيو أحد المسؤولين الكبار من العالم العربي، وكان المدير في تلك المنظمة من الأشخاص العاشقين للكاميرات والذين لا يتقبلون وجود أي شخص آخر يسرق منهم الأضواء، وكانت التعليمات واضحة بإعداد تقرير شامل عن مسيرة المنظمة مع الحرص الشديد على وضع صورة ذلك المسؤول واسمه في كل صفحة، وحذف أي صورة لا يتواجد فيها أو صور لأي من مديري الأقسام من الصف الثاني في تلك المنظمة، ذلك الأمر أثار استياء الموظفين وحزنهم، وصادف أن تم طلبي للمساعدة في الترجمة لذلك المسؤول الكبير، وفعلاً قابل مدير المنظمة الضيف الزائر وأهداه التقرير المليء بصوره في كل الصفحات، وصادف بحكم عملي في الترجمة للمسؤول الكبير أن رأيت الفريق المختص يأخذ الهدايا والتذكارات والتقارير ويجمعها ويضعها في كراتين بشكل يوحي بأنه لا أمل إطلاقاً في أن يطلع عليها ذلك المسؤول الكبير أبداً، ذلك الموقف هزني كثيراً.. استوعبت أن الأمر لم يكن يستدعي كل تلك العصبية والضغوط النفسية والمشاحنات والصراعات على صور في تقرير تم وضعه في نهاية الأمر على أرفف جانبية...

كلما مرت سنوات العمر بالإنسان، أصبح أكثر قدرة على أن يشاهد مآلات الأحداث وربما نهايات القصص الدرامية لحياة أشخاص عاصرهم وتعامل معهم، سيشاهد كيف أن المدير الذي صارع لتلميع نفسه وفصل وإبعاد أي موظف قد ينافسه على الكرسي كان مصيره في النهاية أن يتم إعفاؤه أو يحال للتقاعد، سيستوعب المرء أن المنافقين والمطبلين حول المسؤول لم يتجمعوا إلا حول الكرسي والمنصب فقط، وما إن يرحل المدير إلا وينفض أولئك الذين طبلوا ونافقوا كأن لم تكن بينهم وبين مديرهم مودة من قبل، ليبدؤوا حلقة جديدة من التملق والنفاق للمدير الجديد.

سيفهم الإنسان أن سلب الناس حقوقها أو التجبر عليها، كله ظلم ودَين سيدفعه الظالم عاجلاً أو آجلاً في الحياة أو بعد الممات، سيشاهد المرء بعينيه كيف أن المال الحرام نقمة ويمحق البركات،

سيفهم المرء أن جميع النزاعات كانت بلا معنى، وأن الضغوط والقلق على أمور جانبية كانت بلا معنى، وأن الانتصارات الوقتية على حساب تعاسة الآخرين بلا معنى، وأن الخسارة الحقيقية كانت في إهمال الصحة والأسرة والأصدقاء وإهمال النفس...

وأختم بهذا البيت من كلمات الشاعر كريم العراقي:

كن فيلسوفاً ترى أن الجميع هنا

يتقاتلون على عدمٍ وهم عدم

العدد التاسع الادارة ، الغرور ، اليابان ،

مواضيع ذات صلة