العدد الرابع عشر قراءة في كتاب

صناعةُ الهوية العلمية للعلماء والخبراء والباحثين / قراءة في كتاب

2/18/2022

تأليف : د.سيف السويدي ـــ أ.طارق برغاني

يعد هذا الكتاب واحدا من أهم المؤلفات العلمية التي تقدم خريطة طريق متكاملة للعلماء والخبراء والباحثين الناطقين بالعربية أينما كانوا في كيفية تسويق منتجهم العلمي، وجعلهم يحتلون المكانة التي يستحقونها بين أقرانهم في مختلف أرجاء المعمورة، لا سيما وان ما يقدمونه يشكل مكسبا علميا كبيرا في مختلف المجالات العلمية الانسانية والتطبيقية .. مجلة « صدى أُُريد « وحرصا منها في إتاحة هذا الكتاب للجميع ستقدمه على أجزاء، وهي تقدم شكرها وثنائها لمؤلفي الكتاب د.سيف السويدي و أ. طارق برغاتي على موافقتهما على نشره من باب ( زكاة العلم نشره ) نسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتهم .

أهدافها ووظائفها

تتيح العلامة (الماركة) الشخصية لكل فرد إمكانية إثبات وجوده انطلاقا من قيمه الخاصة، وإتاحة الفرصة له من أجل الانفتاح على بيئته المهنية بقدر انفتاحه على بيئته الإنسانية، الهدف هو قدرته على العيش بانسجام تام مع ذاته وفي نفس الوقت قدرته على إبراز اختلافه وتميزه عنهم بشكل أو بآخر، «نستطيع القول بكل ثقة: إنَّ تطبيق مبادئ بناء الماركة الشخصية يتيح لنا عددا كبيرا من الإمكانيات، مهنيون محترفون واثقون من أنفسهم ولهم عزيمة قوية يشكلون قيمة مضافة للقطاع الوظيفي وللمجتمع بشكل عام». 

أضحى الاهتمام ببناء الماركة الشخصية من أولويات العديد من الأشخاص والباحثين، بحكم رغبتهم في إحداث تغيير في حياتهم ابتداء، ثم في حياة الآخرين، وسعيا منهم في ترك بصمة وأثر إيجابيين ورغبة في زرع بذور الخير والنماء في نفوس الأفراد والمجتمعات، والإسهام في تطوير الإمكانيات وتقدم الأوطان كل منهم في مجال تخصصه ومركز مسؤوليته، وهي غايات سامية ومقاصد عالية وأهداف راقية لابد للباحث من تمثلها والاجتهاد في تحقيقها، « إن الاهتمام بالماركة الشخصية في إطار الإنجاز وخدمة الأوطان والتركيز على مجال أنت تحبه وتهواه وتعتقد أنك ستتميز به هو السبيل لنجاحك والسبب في نجاح من كنت تسعى لإبهارهم، هو الطريق الوحيد للحصول على مكانة في حياة الناس بجدارة واقتدار...»

 

الخروج من الصندوق

كل باحث يقضي سنوات طويلة من الدراسة والاجتهاد والبحث، حتى يصل إلى مستوى يؤهله إلى اكتساب معرفة أكاديمية عالية وحصوله على شواهد معتمدة من جامعات ومعاهد وطنية أو دولية، فإن لم يستطع استثمار تلك المعرفة وتوظيفها في المسار الصحيح، وإن لم يتمكن من تطويرها وصقلها والتعمق فيها، فإنه يبقى حبيس صندوق النمطية والرتابة اللتين تقتلان الإبداع والابتكار.

وللأسف، فإننا نجد نماذج كثيرة من الدكاترة والأساتذة الذين تخرجوا من جامعات وأتموا تعليما عاليا، لكن ليست لهم أي بصمة علمية، أو أي أثر يذكر؛ فالباحث الذي يسعى إلى بناء ماركته الشخصية عليه أن يخرج من جحر العادة وأن يكسر صندوق التقليد، وأن ينفض عنه غبار السلبية والتكرار، ثم ينطلق إلى آفاق التجديد والإبداع؛ «إن الماركة الشخصية يحتاجها كل فرد في الوطن العربي من أجل الابتعاد عن نمط التكرار وتسهم في تحويلهم من أصفار إلى أرقام، بطريقة منهجية واستراتيجية مدروسة ومطبقة.».

 

خلق التميز والإبداع

ويأتي بعد اكتساب ثقة كبيرة في النفس والإيمان بالإمكانات والقدرات الذاتية، فالباحث الراغب في بناء علامته الشخصية هو الوحيد من يدرك تماما قيمته ومؤهلاته، يعتقد في نفسه القدرة على فعل ما لم يستطع غيره فعله، لأنه ينظر بشكل مختلف تماما، ويعالج القضايا من زوايا متعددة ويستخدم طرق ومنهجيات غير عادية في التحليل والاستنتاج، لهذا لن تكون هناك غرابة في تفرد أعماله وبراعة منتوجه، فيحرز بذلك وسام التميز والإبداع عن جدارة واستحقاق.

والجدير بالذكر أن التميز والإبداع لا يعني بالضرورة التكلف في إعطاء التحاليل المعقدة وتقديم التفسيرات التعجيزية من أجل الظهور بمظهر المختلف المتفوق، وإنما يكون بتناول القضايا بالحجج المقنعة وتبيين المسائل بالأدلة العلمية الراجحة، والتوصل إلى الاستنتاجات والحلول بالطرق والوسائل المبدعة.

 

الفعالية والتأثير

يقترن التأثير بالفعالية؛ لأن الباحث كلما ازدادت فعاليته وتوسعت دائرة نشاطاته، وتعددت قنوات اتصاله، وتمكن من أساليب التبليغ والإفهام والإقناع إلا واشتدت قوة تأثيره وانتشر صيته وشاعت سيرته.

وهي كلها أهداف ينبغي على الباحث استحضارها والاجتهاد في تحقيقها لإعطاء علامته الشخصية مزيدا من البريق واللمعان.

«علينا الآن أن نكون أكثر نشاطا وفعالية في هذا العالم، والمطالبة بجمهور مهتم ببحوثنا، إن عملنا الأكاديمي لا يتوقف عند الكتب المنشورة والمقالات المنشورة، بل من مسؤوليتنا نشره وتبليغه للجمهور».

 

التغيير

ليس بالأمر السهل، فهو يتطلب انفرادا مع الذات وحوارا رصينا ومستمرا مع النفس، من باب الفحص والتقييم والبحث والقرار، الفحص عن نقاط التميز والقوة والتقييم لدرجة التمكن من التخصص من جهة والمهارات المكملة من جهة أخرى، «نحن نحلم ونطمح بأن نصنع الفرق في المجتمع، ما رأيك لو تتوقف قليلاً وتسأل نفسك ما الذي يميزك عن الآخرين؟ ما هو الذي يجعلنا نتوقف عندما نسمع اسمك... ماهي نقاط قوتك حتى تستند عليها لخلق ماركة شخصية في المجتمع؟ وماهي نقاط الضعف التي تطورها وتنتقل بها إلى قائمة نقاط قوتك؟»، وبحث عمَّا هو مفقود وما هو مطلوب، وقرار أن يأخذ زمام المبادرة ورسم مسار جديد والتخلص من قيود السلبية والكسل، هذا الهدف يشكل النقطة التي ترتكز عليها كفتا التغيير، والحلقة الذهبية التي تجمع بين محطات مسار بناء الماركة الشخصية.

 

العدد الرابع عشر صناعةُ الهوية العلمية للعلماء والخبراء والباحثين