العدد الخامس عشر قراءة في كتاب

صناعةُ الهوية العلمية للعلماء والخبراء والباحثين / قراءة في كتاب

2/19/2022

تأليف : د.سيف السويدي ـــ أ.طارق برغاني

يعد هذا الكتاب واحدا من أهم المؤلفات العلمية التي تقدم خريطة طريق متكاملة للعلماء والخبراء والباحثين الناطقين بالعربية أينما كانوا في كيفية تسويق منتجهم العلمي، وجعلهم يحتلون المكانة التي يستحقونها بين أقرانهم في مختلف أرجاء المعمورة، لا سيما وان ما يقدمونه يشكل مكسبا علميا كبيرا في مختلف المجالات العلمية الانسانية والتطبيقية .. مجلة « صدى أُُريد « وحرصا منها في إتاحة هذا الكتاب للجميع ستقدمه على أجزاء، وهي تقدم شكرها وثنائها لمؤلفي الكتاب د.سيف السويدي و أ. طارق برغاتي على موافقتهما على نشره من باب ( زكاة العلم نشره ) نسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتهم .

الإنجاز

هو تجسيد لما يسعى الباحث إليه فكلما تعددت إنجازاته وازدادت نشاطاته واتسمت بالجودة والمهنية والفائدة، مثل حضور الندوات، نشرأوراق بحثية، عقد لقاءات، تأليف كتب، كتابة مقالات، تنظيم دورات تدريبية... كلما أتيحت له فرص أكبر للبروز والتميز، وتلقي العروض والطلبات.

وهذا كله يخدم بشكل إيجابي ومباشر نجاحه في بناء ماركته الشخصية، « ماهي منجزاتك، إبداعاتك، مخرجاتك الحقيقة التي تجعل من اسمك ماركة شخصية نسعى للاستفادة منها؟ «.

السمات المميزة لشخصية الباحث

وهي تتشكل من ميزات قد تكون مشتركة بين عدد كبير من الأفراد، الاحترام والتسامح وتقديم المساعدة والتقدير والوفاء وغيرها وهي طبعا صفات مطلوبة وضرورية، لكن الباحث بصفته شخصا يسعى إلى بناء هُويَّته الشخصية فهو يحتاج إلى التحلي واكتساب سمات أكثر تميزا وأعلى جودة منها كالتحلي بروح المبادرة، والقيادة الشخصية والاجتماعية ، التحدي واغتنام الفرص، قبول النقد والاستفادة من الأخطاء، تقاسم المعرفة، العطاء المستمر، الفضول المعرفي...

الاختلاف عن العامة

الباحث الأكاديمي هو شخص ليس كباقي الناس العاديين، إنه إنسان على مستوًى عالٍ من التكوين والمعرفة، وقد كلفه الوصول إلى ذلك المستوى الرفيع إنفاق أيام وليالٍ من الجهد والمشقة متمثلة في التعلم المتواصل والدراسة المكثفة وقراءة مئات الكتب والمقالات، وإنجاز البحوث واجتياز الاختبارات، وعمل العديد من الاستشارات واللقاءات مع الأساتذة والمختصين، لذلك عليه أن يضع نصب عينيه أنه ليس كباقي الناس فهو متخصص في مجاله، اكتسب الأدوات والوسائل الكافية ليكون مختلفا عنهم.

«إن العلامة (الماركة) الشخصية الخاصة بالباحث الأكاديمي ليست على غرار تلك الخاصة بالممثلين والمغنيين، وإنما هي تعكس صورة العالم والمثقف الأكاديمي الذي يمد يده ليكسب الجمهور» .

وليس هذا من باب التكبر والافتخار بل من باب فضل العلم ومكانة العلماء والله -عز وجل- يرفع بالعلم أناسا على آخرين، ويشرف بالعلم قوما عن غيرهم، لذا فعلى الباحث عن تميز شخصي أن يعي تماما قيمة هذه النعمة وشرف هذه المكانة؛ لأنها تحفزه على التقدم وإبراز وجوده في مجتمع العلماء.

عناصر الماركة الشخصية 

تُبنى الماركة الشخصية للباحث من خلال ما اكتسبه في مساره الدراسي والمهني وعبر احتكاكه المتواصل والمستمر بمدرائه وزملائه في العمل ، يضاف إلى كل ذلك عدد من العناصر والمكونات التي تشكل جسد وماهية العلامة الشخصية للباحث.

الاسم

اسم الباحث هو الذي يصنع علامته (ماركته) الشخصية؛ لأنه هو المعبر عن هُويَّته وشخصيته وإنجازاته، فسيرة الباحث تعرف بالأساس انطلاقا من اسمه ولا يمكن تصور نجاح علامة شخصية بدون اسم صاحبها؛ لأن الاسم هو الصورة والمرجع والعنوان الذي تحال إليه إنتاجات الباحث وتقترن به كل نشاطاته.

كما أنه العنصر الذي تتمحور حوله باقي العناصر وترتبط به كل المكونات الأخرى، «إن اسمك وشخصيتك وهويتك وقيمتك بين الناس وإنجازاتك وقيمك هي المعيار الذي يحدد ماركتك الشخصية...» .

السيرة العلمية للباحث

وهي الصورة الاكاديمية للباحث وترجمة لمختلف الجوانب العلمية، البحثية، الأنشطة الفكرية، اللقاءات والندوات، التكوينات المحاضرات، المناصب والمسؤوليات، المؤلفات والكتب، المقالات والرسائل والدوريات...

ونظرا لأهمية هذا العنصر لابد للباحث من إيلائه عناية خاصة بترتيب محتوياته على الوجه الصحيح وتنسيق فقراته بشكل أنيق مع الحرص على وضع صورة مناسبة وإحداثيات الاتصال والتواصل مع الباحث من بريد إلكتروني وأرقام الهاتف ورابط المدونة أو الموقع الشخصي وكذا روابط الصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي.

كما أن على الباحث الأخذ بعين الاعتبار انتقاء وإدراج العناصر والنشاطات الأكثر أهمية والأجود قيمة دون غيرها لتجنب الإكثار والحشو والإطالة، زيادة على ذلك لابد من تحميل نسخة من سيرته على المواقع والشبكات والمنصات الأكاديمية المعتبرة وضمن ملفاته الشخصية لزيادة فرص التعريف بنفسه في مجتمع الباحثين، كما يحرص على تحيين بيانات سيرته بشكل مستمر.

مجال التخصص

جدير بالباحث إعطاء هذا العنصر القسط الأكبر من العناية والاهتمام، عن طريق تحسين معلوماته والاطلاع المستمر على مستجدات البحوث والمقالات والدراسات والمصطلحات وحضور الملتقيات والندوات والمشاركة في المداخلات والنقاشات.

وهذه المحافل واللقاءات تعدّ أيضا فرصة لتوسيع دائرة التواصل وربط علاقات جديدة مع باحثين وأكاديميين في مجال التخصص، كما أنها مناسبة تسنح للباحث بإبراز كفاءته وتمكنه من تخصصه من خلال نقاشاته وآرائه وملاحظاته واقتراحاته وبالتالي إعطاء صورة شخصية إيجابية حوله.

ومن مؤشرات التمكن من التخصص لدى الباحث نجد الاتقان والضبط ، المهنية، الاحترافية، الجمع والتكامل بين النظري والتطبيقي...

« السؤال هو: «كيف يمكن تطبيق عملية بناء الماركة الشخصية على الباحث وعلى بحوثه؟»

للإجابة لابد من التركيز على جانبين هما المهارات أو الكفايات ثم الهُويَّة.

الأول: هو قيمتك الوظيفية عندما تثق في محتوى بحوثك وهي بمثابة قيمة وجدانية.

أما الثاني: فهو كيفية ربط قيمتك الوظيفية بقيمتك الوجدانية» .

كما أنه لابد من الإشارة في هذا السياق إلى الكفايات الأساسية الواجب توفرها لدى الباحث الأكاديمي والتي تشكل إطارا عاما لتطوير الباحث، وبالتالي الإسهام في نجاح ماركته الشخصية وهي:

1) المعارف الأساسية وتشمل البحث عن المعلومة، محو الأمية المعلوماتية والتدبير.

2) التطوير المهني والوظيفي ومن عناصرها التشبيك، السمعة والتقدير.

3) التواصل والنشر وتتضمن طرق التواصل، وسائل الإعلام والنشر.

4) السلوك المهني. 

وكما أن تطوير الماركة التجارية يساعد على توفير جميع الشروط المناسبة في منتوج أو خدمة من أجل إرضاء الزبون، فإنه قياسا على ذلك يعد بناء وتطوير الماركة الشخصية أمرا لابد منه لتنمية الكفاءات واكتساب أخرى جديدة .

ملف الإنجاز (Professional portfolio)

يمكن أن يكون ورقيا أو رقميا ، وهوعبارة عن ملف شخصي أو بروفايل على الإنترنت، وهو أكثر تفصيلا ويتضمن معلومات وافية حول إنجازات الباحث موثقة بنماذج عن كل معلومة مدرجة، وتكون السيرة العلمية جزءا منه.

هذه النماذج هي وثائق يمكن عدّها أدلة مادية تدعم مصداقية المعلومات التي يحتويها الملف، قد تكون نسخًا من الشواهد والديبلومات، صور من نشاطات ولقاءات، فيديوهات لحوارات صحفية أو لمحاضرات قدمها الباحث يمكن نقشها على (CD) أو (DVD)، روابط لمقالات أو منشورات على الإنترنت، ملخصات لمؤلفات وكتب وبحوث ألفها الباحث، ملصقات الدورات، نُبَذ عن المشاريع البحثية...

يبقى ملف الإنجاز وثيقة قيمة على الباحث الاعتناء بها لأنها تشكل عنصرا مهما في بناء ماركته الشخصية.

الإنجازات والجوائز

هي تجسيد مادي لإنتاجات الباحث، وكلما اتسمت بالجودة واحترمت المعايير المعمول بها دوليا، كلما اكتسبت قيمة أكبر ولقيت استحسانا أكثر وهي تتخذ أشكالا عدة منها البحوث والمنشورات الاكاديمية، التكوينات، الملتقيات، الندوات، الحوارات، موقع إلكتروني أو مدونة شخصية، الظهور على وسائل الإعلام...

وهذا يعطي للباحث دفعة قوية وشحنة إيجابية لمزيد من العطاء والإبداع، كما يدخل في هذا الباب ما حصله الباحث من مكافآت وجوائز وأوسمة وميداليات يضاف إلى ذلك كل الشهادات الشفوية والمكتوبة التي وردت في شخصه من طرف اللجان والأساتذة والمشرفين والنقاد حول جودة أعماله وحسن سيرته وسمات تميزه.

كل هذه الحصيلة من الإنجازات والمكافآت المادية والمعنوية، تسهم بشكل فاعل في بناء الماركة الشخصية للباحث لأنها تشكل عاملا قويا وعنصرا مهما في تحفيزه وحثه على الارتقاء بمستواه نحو الأفضل وتشجيعه على مزيد من البذل والاجتهاد، وهي كذلك اعتراف ضمني وصريح على أن ما تحمَّله من مشاق وما أنفقه من جهد ووقت قد أعطى ثماره ولم يذهب سدى، وهذا يكسبه ثقة كبيرة في النفس وإيمانا بأنه قادر على فعل ما لم يستطع غيره فعله. 

التأثير الإيجابي

لتأثير الفاعل أحد العناصر الضرورية التي على الباحث التمكن منها؛ لأنها وسيلة لجعل الجمهور يستجيب ويتفاعل إيجابيا مع تصرفات وأفكار وإنجازات الباحث كما يشكل كتلة قوية لدعمه ومناصرته وتأييده، وهذه القيمة المضافة تزيد في ثقة الباحث وترفع من درجة تقديره وتعزز مكانته.

ومن أهم فوائد التأثير الإيجابي هي جعل الجمهور يفعل ما يريده الشخص المؤثر، وهي درجة عالية يبلغها في إثبات وجوده وإقناع من حوله بأفكاره واكتساب ثقتهم إلى أقصى حد ممكن، «... من أهم الوسائل التي نستطيع بها التأثر على الآخرين هي جعلهم يفعلون ما نريد، وإذا لم نفعل ذلك فسوف نجد صعوبة بالغة في تحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجازات التي نريد تحقيقها...».

العدد الخامس عشر صناعةُ الهوية العلمية للعلماء والخبراء والباحثين