إيّاكَ أنْ تصِلَ فارغًا ..
07/03/2024 القراءات: 990
إيّاكَ أنْ تصِلَ فارغًا ..
🖊️. ياسر الدالي
آيةٌ واحدةٌ تعصفُ بك في لحظةٍ، وتقلبُ مشاعرك وأحاسيسك بل وحياتك كلها رأسًا على عقب، وتجعلك تقف أمام نفسك، وتنبش في كل ماضيك، تُنقّبُ فيه عن كل ما يمكن أن يقيك من الوقوف هذا الموقف العصيب، الذي تدرك فيه حقيقة خسارتك الرهان على نفسك.
يقول المولى - سبحانه: ﴿يقول يا ليتني قدمتُ لحياتي﴾ .. آيةٌ كلما مررتَ عليها قارئًا متدبرًا، تدركُ حقيقة الدنيا القصيرة الحقيرة، وأنها لم تكن سوى مزرعة للآخرة، وجسر عبور عليك أن تخرج منه بزاد كافٍ لتعيشَ حياتك الباقية.
فمع أنَّ هذه الدنيا يعيشها الإنسان بخيارات كلها من اختياراته، خيارات لم يجبره عليها أحد، إلا أنها سرعان ما تمر كأنها لمح البصر، ليجد الإنسان نفسه ماثلًا أمام حقيقة يدركها متأخرًا، وهي أنه خرج منها صفر اليدين.
ولذا استخدم القرآن الكريم أسلوب التمني ليعبّر به الإنسان الذي أضاع كل فرصة للنجاة عن أساه وحسرته وندمه .. يا ليتني، لكن لا يمكن أبدًا، لا يستطيع، يستحيل أبدًا العودة لماضٍ طالما كانت الفرص فيه تمثل منطلقًا لإحداث فرقٍ يغيّر واقع الحال الذي صار إليه.
ماضٍ كان مملوءًا بمحطات التزود المتنوعة لرحلةٍ انطلقت به منذ أن وعى أنه واقفٌ على رأس الطريق متجهًا نحو حياته الحقيقية.
تُرى كيف أضاع كل تلك الفرص؟!
ما الذي شغله عن تلك المحطات المليئة بالنفحات الإلهية التي كانت حتمًا ستشعل فؤاده نورًا ليقتفي به أثر السائرين إلى الله، فيدخل في الركب المبارك لينجوَ بنفسه؟!
ما الذي صرفه وأشغل باله عن جمع زاده كي يواصل السير على هدى في قطارٍ سريعٍ يوشك أن يصل في أية لحظة؟!
ماذا كان يدور بخلده وهو هائمٌ يغذّ السير بلا هدف، كل مَن حوله يجمع الزاد إلا هو لم يعره أي اهتمامٍ؟!
ثم تأتي: "قدمتُ" ليفيق بها من غفلةٍ جلبتْ له كلّ هذه التعاسة، والمصير المخزي، سيُبسَط بلا شك أمامه شريط حياته الفانية ليرى نفسه كيف استمتع بكل لذةٍ على جانبي الطريق، وأطلق لنفسه حرية الاشتهاء، فأتخمها بكل ما تحب، وسمح لنفسه أن تتخطفه مغريات الشيطان، فشرّقت وغرّبت به في أودية الظلام، وانساق وراء أهوائه فأوردته إلى نفقٍ مسدودٍ لا بصيصَ أملٍ فيه.
الآن يقف حائرًا وحيدًا أمام بابٍ يوشك أن يلِجهُ فلا يعود منه أبدًا، بابٌ خلفه حياته الحقيقية التي لم يحسب لها حسابها الصحيح.
الآن أدرك أنه سيتحمل تبعات كل خياراته التي أوصلته إلى هذا الموقف الصعب، ليرى بأم عينيه صحائف أعماله فارغة من أية إنجازات تُذكر على كل صعيد.
إنها فاجعةٌ بكل معنى الكلمة، أن تجدَ نفسك وصلت إلى خط النهاية خاليًا الوفاض، حينها تأكلك الحسرة على كل ثانيةٍ مرّت لم تقدم فيها شيئًا لنفسك، يكون لك بمثابة طوق نجاة من جحيم ينتظرك، جزاء توَهانِك في طريقٍ كله إشارات تدلّك على الوجهة الصحيحة.
حتمًا لن ينفعك أحد، ولن يُشفق عليك أحد، ولن يسندك أحد.
لن ترى إلا ما قدمت، وعليك وزر ذلك كله، ورحلتك في العذاب الأبدي ستبدأ للتو.
أقول: حتى لا تعيش هذا الموقف أنت الآن في فسحة، والفرص تترى أمامك، وما زال في العمر متسع للتزود، والمحطات كثيرة، وما رمضان إلا محطةٌ واحدة، لكنها من أغنى المحطات بالزاد، وما عليك سوى التعرض فيها لنفحات الله؛ لتكسب نفسك، وتضمن مقعدك الأبدي في جنة عرضها السموات والأرض، في حياتك السرمدية.
جعلني اللهُ وإياكم ممّن يستغلّ كل لحظة وثانية في طاعة الله ورضاه.
إيّاكَ أنْ تصِل فارغًا ..
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع