مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


التعايش السلمي ازمة المفهوم واشكالية الدلالة - التحول من المفهومالسياسي الى المفهوم القانوني

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


01/11/2024 القراءات: 506  


التعايش السلمي ازمة المفهوم واشكالية الدلالة - التحول من المفهومالسياسي الى المفهوم القانوني
الاستاذ المساعد الدكتور وسام نعمت السعدي
إن التعايش السلمي رغم انه ولد في اطار طروحات سياسية ارتبطت بالاتحاد السوفيتي سابقاً ومثل كمصطلح نهج سياسي لدول المعسكر الاشتراكي التي دافعت عن هذا المصطلح وطرحته كأساس قانوني لبناء القانون الدولي المعاصر وطالبت تلك الدول إضفاء الصبغة القانونية عليه وإعادة دمجه في الواقع القانوني الدولي من خلال الاعتراف به كأحد المبادئ القانونية التي تؤمن بها الأمم المتحدة وتم بالفعل دراسة هذا الأمر في أروقة لجنة القانون الدولي والتي لم تتأخر في إجراء الدراسات والتحليل القانوني لهذا المصطلح في عام 1962 رغم التحديات التي كانت قائمة في تلك الفترة بسبب الثنائية القطبية، والتي حالت دون التوصل إلى تبني عمل قانوني يعترف بالتعايش السلمي آنذاك كمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي العام، بخلاف ما انتهت اليه جمعية القانون الدولي باعتبارها منظمة غير حكومية لها ثقلها الكبير في مجالات التدوين القانوني والتي اعترفت آنذاك بمرجعية قانونية كاملة لمبدأ التعايش السلمي، رغم أن مصطلح التعايش السلمي استخدم بشكل واضح في اطار القانون الدولي العام عام 1954 .
و عندما دخل هذا المصطلح إلى قاموس القانون الدولي مع الاتفاقية الصينية الهندية في عام 1954، وتضمنت الاتفاقية بعض المبادئ العامة الجوهرية لتنظيم قواعد حسن الجوار بين الطرفين والتي عرفت باسم المبادئ الخمسة للتعايش السلمي وتم الاحتجاج بها من قبل الدول الأخرى غير المرتبطة بالاتفاقية وهذه المبادئ هي: الاحترام المتبادل لسلامة الأراضي والسيادة؛ مبدأ عدم الاعتداء، مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية؛ مبدأ المساواة والمنفعة المتبادلة؛ ومبدأ التعايش السلمي ذاته. وإن هذه المبادئ كانت بالفعل جزءاً فعليا من ميثاق الأمم المتحدة، سواء بشكل مباشر من خلال المبادئ الجوهرية التي قام عليها الميثاق والأهداف الأساسية التي أعلنتها الأمم المتحدة، أو بشكل ضمني من خلال الأحكام القانونية التي أدرجت في الفصلين السادس والسابع من الميثاق بشأن التسوية السلمية للمنازعات الدولية وسبل تحقيق متطلبات حفظ الأمن والسلم الدوليين.
وتتجلى أهمية المبادئ الخمسة للتعايش السلمي في وضوحها وإيجاز صياغتها مقارنة بالميثاق، وفي الطابع القاطع لرفضها استخدام القوة وتبنيها للتسوية السلمية. وربما يساعد هذا في تفسير الانتشار الواسع والكبير للمبادئ الخمسة والاحتجاج بها في السنوات اللاحقة في العديد من قواعد القانون الدولي العامة. ويمكن القول بان التعايش السلمي الذي طرح في أوج صور التنافس ما بين القوى الدولية العظمى كان له الفضل في تقديم رسائل مطمئنة على المستوى الدولي من حيث انه حافظ على خطوط الاتصال مفتوحة في جميع الأوقات مع الأنظمة المتنافسة الأخرى والسعي إلى الحوار وإدامة فرص حل الأزمات واحتوائها وفق منطلقات قانونية ترتبط بعناصر التعايش السلمي ومدلولاته وهذا الأمر يتم عادة داخل الأمم المتحدة وغيرها من الميادين الدبلوماسية والقانونية الرسمية والحكومية الدولية.
كما أن مصطلح التعايش السلمي نجح من تحويل الخلاف ما بين الأيدولوجيات والأفكار والحضارات إلى طرح منهج اكثر عقلانية يؤسس لقيم التقارب والتعاون والعمل المشترك وقد أتى هذا النهج نتائجه الإيجابية من خلال التوقيع على معاهدة موسكو لحظر التجارب الجزئية لعام 1963، ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والتي تم التوقيع عليها عام 1968 ودخلت حيز النفاذ في عام 1970، ومعاهدة الحد من منظومات الصواريخ الباليستية لعام 1972 والتي استمرت بالسريان والنفاذ بحق طرفي العلاقة ( الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي) لأكثر من ثلاثون عام لغاية انهيار الاتحاد لسوفيتي ثم انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2002، واتفاق سولت 1 والخاصة بالحد من انتشار الحد من الأسلحة الاستراتيجية عام 1972، والاتفاقيات الموازية التي تنص على أن القارة القطبية الجنوبية والقمر والكواكب والفضاء الخارجي خالية من الأسلحة النووية والأسلحة.
وبالتالي نجحت تجارب التعايش السلمي بالانتقال من مفهوم عدم اللجوء إلى الحرب والحد من فرص قيامها اللي مفهوم تعزيز معطيات العمل المشترك والتعاون في مجال خفض الأسلحة غير التقليدية والأسلحة النووية وحظر استخدامها وإنتاجها وتخزينها وصولا إلى التأسيس لحالة من الاستقرار والثبات في العلاقات الدولية ما بين النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي، فتم تحقيق مقصد حقيقي للتعايش السلمي تمثل في التعايش ما بين الأيدولوجيات الكبيرة وفق قواسم ومشتركات تكفل الحياة الأمنة لتلك الدول والمجتمعات.


التعايش السلمي- السلم والامن - المنظمات الدولية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع