المرأة بين الجسد والروح.. بين الإسلام ونظرة الذكر
د. نضيرة بريوة | Dr. Nadira Brioua
04/12/2022 القراءات: 1885
حين سافرت إلى ماليزيا، لاحظت أن النساء لا تنزعن شعر أجسامهن -مستغربة من الأمر في بداية وصولي كوني آتية من مجتمع يطغى عليه الاهتمام بالجسد و الشكل- ولا تنوعن الوصفات الطبيعية الكثيرة المستعملة بين النسوة في دولنا العربية، ولا تكثرتن للباسهن أو جمالهن -لباس بسيط و طبيعي جدا- والأكثر غرابة لي في بداية وصولي رؤيتي لجميع الأشكال والألوان و الأحجام و حتى ذوي الحاجيات الخاصة من المتزوجات؛ فلا الطول ولا البياض ولا النحافة في قواميس رجال ماليزيا في اختيار الزوجة. كلهم يهتمون بالروح والعقل والفكر و لا توجد أدنى التفاتة للجسد وصفاته الخارجية بتاتا. عندها بدأت أقارن ملاحظة ورؤية من بعيد لأصادف نفس الشيء من الصينيين والهنود والإندونيسيين والأوروبيين المقيمين هنا.
فكرت في الأمر فوجدت معظم شروط الجمال الخارجي و متطلباته تصدر من الذكور العرب، وذهبت بتفكيري بعيدا فوجدت كذلك أن أكثر عمليات التجميل وتغيير خلق الله وتصغير الأنف وشد التجاعيد ورفع الصدر تحدث في الدول العربية!
هنا، رجعت بالذاكرة إلى الوراء قليلا انطلاقا من كتب الدراسة المستعملة في مدارسنا وجامعاتنا - وهداني الله للحق وأتاني سبل الرشاد برحمته فصار الجسد عندي كوسيلة لا غاية من الحياة- فاستنتجت أن النظرة الشكلية غرست في أذهاننا منذ الطفولة من خلال المنهاج العقيم. قرأنا و درسنا أنه منذ القدم وفي عصر الجاهلية ارتبط مفهوم المرأة بالجسد الشكلي الخارجي دون الروح والعقل، بل حتى من الشعراء و الفلاسفة من جعل من المرأة شيطان و حيوان و شيء و كأس خمرة و غزالة و غيرها من الأشكال و الأشياء والحيوانات التي لا عقل لها.
بداية مع الفلاسفة الملحدين، فمنهم من اعتبر المرأة بلا عقل ولا حكمة و لم تخلق للعلم والفكر لكنها شيء لإشباع غريزة الرجال أمثال جان جاك روسو وأرسطو، ومنهم من اعتبر أن عقل المرأة لا يرقى لعقل الرجل واتخذوا هذا الوهم لسنوات، على عكس ما نعايشه اليوم من مخترعات وعالمات و طبيبات، مثل كانط؛ و منهم من اعتبر المرأة حيوان كالبقرة أمثال نيتشه؛ و أما شوبنهاور فاعتبر المرأة مصدر الشقاء و البؤس و سوء الحظ و عيب و وصمة عار في المجتمعات نتيجة تجربته الخاصة مع أمه الملحدة!
أما شعراء و عرب الجاهلية فكانت المرأة وسطهم جسد يتراقص حول أرواحهم، واتخذوا منها وسيلة وغاية لتفريغ مكبوتاتهم الغريزية و الخواطر الشعرية -ولا عجب ما داموا إخوان الشياطين- و باتت لهم مصدر إلهام بكل جزئياتها الجسدية بداية من رأسها بشعرها الطويل إلى أخمص قدميها برجلها البيضاء، و جعلوا منها لوحة فنية رسموها على حسب أهواءهم، و وضعوا مقاييسا للجمال بالتركيز على عينها و شعرها و خذها و ثغرها و صدرها و بطنها و قوامها و طولها... إلخ.
ثم جاءت مقاييس عالمية للجمال وأهمها الرشاقة والنحافة والوزن المثالي والصدر المشدود والشفتين المنفوختين و الخصر المنحوت وغيرها من الأوهام التي باتت غايات الذكور في السعي لها و دفعوا ببعض الإناث لتغيير أنفسهن في سبيل تحقيقها.
تمكن الفلاسفة الملحدون -الذين لا دين لهم و لا ملة- و شعراء الجاهلية - الذين لا إسلام لهم- وأعداء الإسلام من جعل الأنثى والرجل على حد سواء عباد الجمال الخارجي؛ فالذكر الجاهل بدين الله -الذي لم يتحرر من عبودية الجاهلية و أفكار الإلحاد و لم يتفقه دينه و دنياه و الغاية من الزواج- يسعى وراء هذه المقاييس، والأنثى التي صدقت وهم هذا الذكر - و التي لم تدرك أنها إنسان عاقل يكمن جمالها في دينها و حياءها و روحها وأخلاقها ، وأن صدرها لإرضاع رضيعها حتى يبلغ العامين و ليس لرفعه- تسعى و تضيع وقتها في العمليات والصالات وآخر ما توصل له الغرب من وسائل الموضة و الجمال!
صار الجسد أولى من الروح، والذكر ينقي أجملهن شكلا و قد يلغي حتى زواجه أو يترك ميثاق الله لمجرد رؤية جسد أجمل من جسد امرأته جهلا ؛ مما دفع بالأنثى ذاتها لمعصية الله في سبيل إرضاء شهوة ذكر أعمى و غيرت خلق الله وأضاعت وقتها في نحت جسمها وجعله كالوثن وفق المقاييس الوهمية المطلوبة!
في دين الله وإسلامنا العظيم، خلق الله عباده، رجلا كان أو امرأة، في أحسن صورة، و جعل هذا الجسد وسيلة في حين أن الروح هي مصدر العقل والفكر والتقوى والإيمان والجمال والأخلاق وجعل لب الأخلاق و الجمال في القلب المدفون فهو جوهر الصلاح؛ فإذا صلح القلب صلح سائر الجسد، وإذا فسد القلب فسد الكل.
أن نختار الشريك على حسب ما يدفن تحت التراب و نتجاهل أخلاقيات وجمال الروح التي ترتقي إلى السماء، أو أن نمضي أوقاتنا في تحسين و تجميل ما يأكله الدود و نترك الروح تتدنس دون تخلية و تزكية ؛ فوالله إن الإنسان لشبيه لذلك الذي عاش في جهل الجاهلية وإلحاد الفلاسفة.
إن الجمال الخلقي والنفسي للمرأة والرجل على حد سواء أولى من الجسدي الشكلي، صحيح أن للرجل و المرأة أذواق و لابأس بانتقاء ما يعجبنا، لكن أن يبلغ الأمر تحديد المقاييس و الأحجام و تغيير صورة الله ابتغاء دنيا فانية؛ هنا علينا بالترحم على عقولنا و قلوبنا، و نسأل الله أن يحييها و يزيل أقفالها.
خلاصة القول، اقرؤوا القرآن و كتب السنة و تفقهوها و استعينوا بكتب الصالحين والعلماء والأئمة حتى تغرس في أذهانكم أفكار الإسلام و الرؤية الصحيحة سواء للمرأة و الرجل خاصة، أو للدنيا و الآخرة عامة؛ أما ومكاتبنا ومدارسنا و جامعاتنا عامرة بكتب الفلاسفة الملحدين و قصائد شعراء الجاهلية فستظل الجاهلية التي تحدد أفكاركم و سلوكياتكم وأخلاقكم وحياتكم واختياراتكم التي عادة ما تؤذي بكم إلى الهاوية.
هذا و من هنا أوصي -نفسي- وكل امرأة بأن تتفقه دين الله، و تخلي وتزكي روحها، وتتقي الله في صورتها التي ركبها فيها فأحسن تركيبها، وأن تهتم بعقلها وقلبها وطهارتهما، وألا تجعل من نفسها سلعة.. ألا إن سلعة الله غالية.. و ألا تقبل بمن يدفع بها لتضييع الوقت في الصالات بدل المحراب.
جملي روحك تخلية و تزكية و طهري قلبك و تبصري عاقلة فالدنيا دنيا فانية لا بقاء لها،
د. نضيرة رابح بريوة
المرأة، الإسلام، خلق الله، الصورة الحسنة، تغيير خلق الله
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع