العدد الرابع مقالات
نماذج من القيم الخلُقية للتعايش السلمي عند الأنبياء / مقالات
11/10/2020
حمزة شواهنة
إنّ للقيم مكانة كبيرة، فهي ضرورية للفرد والمجتمع والسلطة؛ لأنها تعمل على إيقاظ الضمائر، ولا يمكن لأيّ نظام متسامح أن ينهض بلا قيَم، وهنا على الدول أن تتبنّى القيم الإنسانية المشترَكة؛ كالصدق وغيره مِن القيم الأساسية في تحقيق التعايش، وهي كلّها قيَم جاءت بها الديانات، وأرساها منهج المرسلين عليهم السلام في مجتمعاتهم، والمتأمّل في سُوَر الذِّكر الحكيم، يلحظ أنّ الدعوة إلى التحلّي بتلك القيم قد تجلّت في أكثر مِن موضع، وذلك في سياق مخاطبة الرسل، عليهم السلام، وسأكتفي بذكر شاهد على ذلك، وهي على النحو الآتي:
تشريع التكافل الاجتماعي، وإقامة العلاقات الاجتماعية: لذا فقد وردت طائفة من الآيات تُعّبر عن هذا البعد الإنساني، حيث ورد في هذا السياق الدعوة إلى المعاملة بالإحسان، والإنفاق على المحتاجين مِن أبناء المجتمع جميعاً، وذلك في سياق مخاطبة الله رسوله محمداً في أكثر من موضع، كقوله: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}[البقرة: 215].
الإحسان إلى الأسرى: يحكي القرآن الكريم توجيه الله نبيّه محمداً إلى التخفيف عن أسرى الطرف الآخر، وعن ذلك يقول الله : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)}[الأنفال: 70].
تحرِّي الصدق في الأقوال والأفعال، ونبذ الكذب: لذا دعا الرسل عليهم السلام إلى تحرِّي الصدق، وأثنى الله على رسُله عليهم السلام باتصافهم بكثرة الصدق، كما ورد ذلك في قوله I: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41)}[مريم: 41]، ويقول مخاطباً رسوله الكريم محمداً وهو يصف الذين احترفوا الكذب واعتادوه، حتى إنَّهم يُقسِمون الأيمان؛ ليُصَدِّقهم الناس: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[المجادلة: 14 - 18].
رفع الظلم، ونصرة المظلوم: ومِن أهمّ القواعد التي يقوم عليها منهج الدعوة عند الرسل عليهم السلام في التعايش التحذيرُ مِن ظلم الآخرين، حيث دأب الرسل عليهم السلام على إنصاف المظلومين، فهذا موسى الكليم يعلِن انحيازه الكامل للمظلومين مهما كلّفه ذلك مِن ثمن، كما قال الله: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)}[القصص: 15].
إقامة العدل: ففي سياق الأمر بالحوار بين النبيّ محمد وأهل الكتاب مِن اليهود والنصارى، يوصي الله النبيّ محمداً بالعدل بينهم، حيث يقول له وللأمّة مِن بعدِه: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)}[الشورى: 15].
الوفاء بالعهود: ونلحظ هذا المعنى يتجلّى في سياق مخاطبة الله سيّدنا محمداً، حيث يأمره به حتى آخر لحظة، كما في قوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)}[الأنفال: 58].
الأمر بأداء الأمانة، والنهي عن الخيانة: يحكي القرآن الكريم أمانة أوّل رسول بعَثه وهو نوح، وذلك في معرض بيان قصّته مع قومه، فيقول عنه: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء: 105- 110].
تفعيل ثقافة الرقابة الذاتية والضمير الإنساني: والمتأمّل في سُوَر الذِّكر الحكيم، يلحظ أنّ منزلة المراقبة تجلّت في أكثر مِن موضع في القرآن الكريم، كما في قوله في قصة يوسف، {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف: 23 - 24].
وخلاصة القول: إنّ اﻟﺗﻌﺎﯾش ﺑﯾن البشر ﻗدﯾم بقِدَم الديانات والشرائع، وﺗرﺟﻊ ﺑوادرﻩ اﻷُوﻟﻰ إلى مبعث الأنبياء عليهم السلام، حيث ﺿرب الأنبياء عليهم السلام أروع اﻷﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ ترسيخ أرفع قيم التعايش بين بني الإنسان، وتقعيد قواعده، لذلك أخذ الحديث عن موضوع القيم الخلُقية جانباً كبيراً من تعاليمهم.
العدد الرابع الصدق ، نصرة المظلوم ، العدل ، الوفاء بالعهود ،مواضيع ذات صلة