مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


14/12/2022 القراءات: 609  


قسم من الناس والعياذ بالله أنكروا يوم القيامة بتاتا مستبعدين ومستفهمين استفهام إنكار وتهكم ﴿ أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ﴾ ﴿ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾ فأوضح جل وعلا وبين أن الذي خلقهم وأنشأهم أول مرة قادر على إحيائهم بعد فنائهم .
بل الإعادة أهون في نظر الناس وحدود قدرتهم من الإبداع فالذي يعترف ويقر بأن الله تعالى هو الذي بدأ الخلق يجب عليه ويتحتم أن ييسلم بأن الله تعالى قادر على الإعادة .
وذكر جل وعلا البدأ دليلا على الإعادة فقال : ﴿ ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا * أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ﴾ وذكر جلا وعلا في سورة الروم أن إعادة الخلق أهون من ابتدائه فقال جل وعلا ﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ﴾ .

ومن الأدلة العقلية الدالة على البعث دلالة قاطعة بمجرد نظر العاقل إليها يستدل بها استدلالا لا يقبل الشك والشبهة بوقوع ما خبرت به الرسل من البعث خلق السماوات والأرض على عظمها فكل منصف يعلم بالبداهة الحسية أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس في ابتدائهم وإعادتهم .
وورد بعدة آيات الاستدلال بخلق السماوات والأرض على قدرة الله تعالى على إحياء الموتى قال تعالى ﴿ أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد ﴾ بهذه الآية أكد جل وعلا صحة البعث ، المعنى أن ابتداء الخلق لم يعجز الله والإعادة أسهل من الابتداء والكل على الله هين ﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ ، فلا مجال للشك في الإعادة عند من يقر في الابتداء .
وقال جلا وعلا مخبرا عما قاله الكفار الذين يستبعدون البعث ورادا عليهم : ﴿ أئذا كنا عظاما نخرة * قالوا تلك إذا كرة خاسرة ﴾
وقد أمر الله رسوله  أن يجيبهم ويعرفهم قدرته على بعثه إياهم بعد مماتهم وإنشائه لهم كما كانوا قبل بلائهم خلقا جديدا على أي حال كانوا عظاما أو رفاتا أو حجارة أو حديدا أو خلقا مما يستبعد عندكم قبوله للحياة فإن الله على كل شيء قدير ، لا يعجزه إعادتكم مهما تحولتم وتمزقتم وتفرقتم ﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ ﴿ فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة ﴾ .

وأخبر أنه عندما يقيم عليهم الحجة على البعث يقولون من يعيدنا أي من يعيدنا ونحن بهذه الحال : فقل تحقيقا للحق وإزاحة للاستبعاد وإرشادا إلى طريق الاستدلال ، الذي يفعل ذلك هو القدير العظيم الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .
الذي ذرأكم في الأرض أول مرة على غير مثال يحتذى ولا منهاج معين ينتحى وكنتم ترابا لم يشم رائحة الحياة أليس الذي يقدر علي ذلك يقدر على أن يجمع ما تفرق ويفيض الحياة ويعيده كما خلقه أول مرة بلى إنه سبحانه على كل شيء قدير .
ثم بين سبحانه ما يفعلونه حين ما يسمعوا الجواب ﴿ فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو ﴾ أي متى هذا البعث وفي أي وقت وحال يعيدنا خلقا جديدا كما كنا أول مرة ومقصدهم من هذا السؤال استبعاد حصوله .
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى حكاية عنهم ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ قال تعالى ﴿ قل عسى أن يكون قريبا ﴾ أي فاحذروا فإنه قريب منكم وسيأتي لا محالة وكل آت قريب وكل ما هو محقق الحصول قريب .
وإن طال الزمان في نظر العباد ولم يخبر به أحدا لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ﴾ أي يوم يدعوكم للبعث والنشور والحساب والجزاء فتستجيبون له من قبوركم بقدرته ودعائه إياكم وله الحمد في كل حال وتظنون حين تقومون من قبوركم إن لبثتم إلا قليلا في دار الدنيا وقوله ﴿ كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ﴾ .

ونحو هذه الآية قوله تعالى : ﴿ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ﴾ وقوله : ﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ﴾ وقوله : ﴿ ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم ﴾ وقوله : ﴿ إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾ . ومن توهمات المنكرين للبعث أن من يموت يضل رفاته في الأرض فتذهب صورته وصفاته فكيف يرجع الله هذه الذوات والصفات وكيف يجمع هذه الذرات المتفتتة من عظامهم وأثر هذا التوهم الفاسد يظهر في توهمهم أن علم الله غير محيط بكل صغير وكبير من أعداد الذين يموتون من الناس وغير محيط بصفاتهم وأوصافهم وأعمالهم .
وقد ذكر الله جل وعلا مقالتهم الفاسدة التي تدل علي التوهم من توهماتهم قال تعالى حكاية عنهم : ﴿ وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد ﴾ وهؤلاء قاسوا قدرة الخالق الذي بدأهم أول مرة على قدرة المخلوق العاجز .
وشتان ما بين القدرتين ﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ ﴿ فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة ﴾ .
ثم زاد في النعي عليهم والإنكار لآرائهم بقوله : ﴿ بل هم بلقاء ربهم كافرون ﴾ أي تعدوا ذلك إلى الجحود بلقاء ربهم وذكر الله جل وعلا مقالتهم هذه في سورة سبأ وهم أتوا بها على وجه الاستهزاء والتهكم والتكذيب والاستبعاد والإنكار .
﴿ وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ﴾ أي إنه يقول إذا أكلتكم الأرض وصرتم رفاتا وعظاما وقطعتكم السباع والطير ستحيون وتبعثون ثم تحاسبون عىي ما فرط منكم من صالح العمل وسيئه .


أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع