مدونة ا.م.د. رجاء خليل الجبوري


(الإدارة الثقافية النسوية في العالم العربي ) نحو إدارة ثقافية شاملة ومؤثرة

ا.م.د .رجاء خليل الجبوري | Assist Prof Dr Rajaa .K. Aljubore


03/02/2025 القراءات: 47  


أن العالم العربي يشهد تحولات متسارعة على مستوى الثقافة والفنون، حيث تنبثق العديد من المبادرات الثقافية التي تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة في الأنشطة الثقافية وصناعة القرار الثقافي. ويعد مفهوم “الإدارة الثقافية النسوية” من الأطر الحديثة التي تحاول تحقيق توازن بين الثقافة والمساواة بين الجنسين، وهو يشكل إحدى الركائز المهمة في تغيير النظرة التقليدية لدور المرأة في الحياة الثقافية. فالإدارة الثقافية النسوية لا تقتصر فقط على دعم النساء كمشاركات في الفعل الثقافي، بل تمتد إلى إنشاء بيئة ثقافية تتمتع بالعدالة وتسمح للمرأة بممارسة دورها القيادي في تطوير المشاريع الثقافية وصناعة الفن.
من هوامش الثقافة إلى قلب العملية الثقافية، حتى وقت قريب، كانت المرأة العربية تعيش في هوامش الفعل الثقافي، وإن كانت تُعتبر جزءًا من حركة الإبداع، إلا أنها كانت تخضع لمحددات ثقافية واجتماعية تضعها في موقع التابع، لا المتصدر. لم يكن سهلاً على النساء الوصول إلى مواقع اتخاذ القرار الثقافي أو المساهمة في الفعاليات الثقافية الكبرى، لاسيما في مجالات مثل السينما، والمسرح، والفن التشكيلي، وحتى في مجالات الكتابة الأدبية، حيث كانت العديد من المعايير الاجتماعية تحد من حضور المرأة في هذه الساحات.

ولكن مع تطور المشهد الثقافي في العقدين الأخيرين، شهدنا ولادة العديد من المبادرات الثقافية التي تستهدف تمكين المرأة من المشاركة الفاعلة في هذه المجالات، ليس فقط كمبدعة، بل أيضًا كمديرة ثقافية، ومخططة استراتيجيات، وقائدة لمشاريع ثقافية. هنا، تظهر الحاجة إلى “الإدارة الثقافية النسوية” التي تهدف إلى تذليل العقبات أمام النساء، وتوفير المنابر والفرص لهن لكي يقمن بدور فعال في صناعة الثقافة، سواء على مستوى الإنتاج أو التنظيم أو التوجيه.
عموما يمكن تعريف الإدارة الثقافية النسوية هي مقاربة فكرية وإدارية تهدف إلى إعادة التفكير في كيفية تنظيم الأنشطة الثقافية مع التركيز على تعزيز مشاركة النساء في كافة جوانب الثقافة والإبداع. إنها ليست فقط موجهة نحو دعم المشاريع الثقافية النسائية، بل أيضًا نحو إعادة تشكيل الهياكل الثقافية بطرق تسمح بالتمثيل المتوازن بين الجنسين. وهي تتعامل مع الفضاء الثقافي باعتباره مجالًا للتغيير الاجتماعي، حيث يتم تسليط الضوء على القضايا التي تخص النساء، بما في ذلك حقوقهن، وهوياتهن الثقافية، ومشاركتهم في إحداث التحولات في مجتمعاتهن.

يواجه مفهوم الإدارة الثقافية النسوية في العالم العربي العديد من التحديات، التي تتراوح بين القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية:-
التقاليد والموروثات الثقافية من أبرز العوائق التي تقف أمام الإدارة الثقافية النسوية في العالم العربي هي التقاليد الراسخة التي تحد من دور المرأة في العديد من المجالات. ففي بعض المجتمعات، لا تزال النظرة التقليدية للمرأة كـ”متلقية” للثقافة، وليست كـ”صانعة” لها، قائمة بقوة. هذا يشكل تحديًا كبيرًا أمام تفعيل دور المرأة في العملية الثقافية.
التمويل المحدود تواجه المشاريع الثقافية النسوية صعوبة في الحصول على تمويلات من المؤسسات الحكومية أو الخاصة، مقارنة بمشاريع أخرى غالبًا ما تكون يدها أطول. كما أن قلة الموارد المخصصة للفنون النسائية تقلل من قدرة النساء على التعبير عن أنفسهن، وتمثيل قضاياهن في الفضاء الثقافي.
التمثيل المحدود في المناصب القيادية لا تزال النساء تحتل نسبة منخفضة من المناصب القيادية في المؤسسات الثقافية الكبرى في العالم العربي. هذا التمثيل المحدود يحد من قدرتها على التأثير في سياسة الإنتاج الثقافي وصناعة الفنون.
المجتمع الإعلامي والدور الإعلامي غالبًا ما يغيب الإعلام عن تسليط الضوء على المشاريع الثقافية النسوية، ويظل التركيز على مشاريع ثقافية تقليدية تقودها شخصيات ذات هيبة اجتماعية وثقافية. وهذا يعزز فكرة “التجاهل” الثقافي للمرأة.

على الرغم من التحديات السابقة، فإن الإدارة الثقافية النسوية يمكن أن تحقق العديد من الفوائد الهامة على مستوى الثقافة والمجتمع. إليك أبرز الأثر الإيجابي الذي يمكن أن تنعكس به هذه الإدارة على الفضاء الثقافي في العالم العربي:
نشر الوعي المجتمعي الفعاليات الثقافية التي تدار من قبل نساء تعكس قضايا ومشاكل النساء في المجتمع، وهو ما يساعد في نشر الوعي بشأن قضايا حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. من خلال المسرحيات، والأفلام الوثائقية، والندوات، يمكن تسليط الضوء على قضايا مثل العنف ضد المرأة، والمساواة في الحقوق، والتعليم، والعمل.
تحقيق العدالة الثقافية: من خلال تبني سياسات ثقافية نسوية، يمكن تحقيق العدالة بين الجنسين في مجال الثقافة، مما يسمح للنساء بالمشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات الثقافية، وتحديد الأولويات، وتنظيم الفعاليات التي تعكس هويتهن وتوجهاتهن.
تعزيز التنوع الثقافي: من خلال الإدارة الثقافية النسوية، يمكن للمجتمع العربي أن يتبنى مفهوم التنوع الثقافي بشكل أكبر. فالثقافة النسائية تتمتع برؤى وأبعاد قد تكون مغيبة أو مهمشة في الثقافة السائدة، وتستطيع الإدارة النسوية تعزيز تلك الأبعاد وإعطائها الفرصة للظهور على الساحة الثقافية.

ومع تطور المجتمع العربي نحو مزيد من الانفتاح والتعددية الثقافية، تزداد الفرص أمام الإدارة الثقافية النسوية لتحقيق تأثير أكبر. مع تقدم المرأة في المجال الأكاديمي، والسياسي، والفني، تزداد الأدوار التي يمكن أن تقوم بها المرأة في تشكيل المستقبل الثقافي. كما أن التحولات الرقمية وتكنولوجيا الإعلام الاجتماعي تمثل فرصة ذهبية للنساء للوصول إلى جمهور أوسع، وبالتالي التأثير في الفضاء الثقافي بشكل مباشر. في المستقبل، يمكن للمرأة أن تقود مشاريع ثقافية عبر الإنترنت، وأن تبتكر منصات جديدة لدعم الثقافة النسائية.
وختاما فالإرادة النسوية الرائدة في العالم العربي ليست مجرد حاجة اليوم، بل هي ضرورة من أجل بناء مجتمع ثقافي متنوع وعادل. مع وجود إرادة سياسية، وتعاون.


الإدارة الثقافية، شؤون المرأة ، المثقف


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع