مدونة فاطمة عيسى محمد


حب غرناطة 2من كتابي غراس الحب

الدكتورة : فاطمة عيسى محمد | Dr.fatma Essa Mohammad


16/12/2024 القراءات: 17  


وهنا في حي البيازين الذى يعود تاريخه إلى عام 1000م، تجولنا بين الزقاق ، حيث تزين الزهور الممرات أمام المنازل فهم من عشاق الزهور ، ويقيمون مسابقة سنوية لتزيين المنازل ، دخلنا البيت الأندلسي الذى تزينه الأقواس، والأشجار المتسلقة والنوافير تتوسط المكان، والزخارف تعلو جدران الغرف. وهناك حيث حارة اليهود ، كانت منازل الفقهاء كموسى بن ميمون الذى يقف تمثاله وسط الحى أكملنا المرور بين المنازل حيث كان يتجول الباعة في زقاق سوق العطارين ، وسوق النحاسين والصاغة، وتجار الأصواف . وقد أبدعت الكاتبة (رضوى عاشور ) في وصف المأساة ووصف غرناطة بأحيائها وممراتها في كتابها ( ثلاثية غرناطة). وهنا كانت باحة الوراقين حيث تجمع المخطوطات العربية وتغلف وتجلد، حيث كان المجد في بلاد الأندلس للغة العربية، واستطاع البعض حمل ما يمكن حمله من المخطوطات والكتب النادرة تحت جنح الظلام ، وأحياناً في وضح النهار على البغال ونقلها لبعض المخابئ من البيوت ، والكهوف، والمنازل المهجورة . وذكرت أنه تم إحراق ما تبقى منها في ساحة باب الرملة حيث حُرقت المصاحف والمخطوطات المجلدة بأغلفتها ونقوشها المزخرفة ، أمام مرأى من الجميع ، وتحت حراسة مشددة محاولةً من الروم للقضاء على كل أثر للإسلام واللغة العربية ، حتى تفحمت الكتب ويبست الأوراق، واستنشق الأندلسيون دخان الهزيمة حتى سدت أنوفهم و أصابهم الغثيان والصداع والنعاس . وأكملنا المسير إلي تلك الربوة في حي البيازين ، لمعاينة الجامع الوحيد في المنطقة الذى شُيد بعد قرابة خمسة قرون على غياب الحكم الإسلامي في الأندلس، ولهذا المسجد حكاية ، حيث استغرق بناؤه عشرون عاماً توقف خلالها عدة مرات لأسباب عدة ، بين رفض حكومي، ومشاكل في التصميم ، ونقص في التمويل ، ورفض من الأسبان استمرت منذ شراء الأرض عام 1980م حتى عام 2003م ؛ حيث تم استكمال البناء والافتتاح. ويضم المسجد مصلى للرجال وآخر للنساء، كما ألحق به مركزاً ثقافياً للجاليات يحوي الآلاف من الكتب بلغات عدة منها العربية. وأصبح الجامع الكبير في غرناطة يصدح بالأذان بعد 500 عام من خروج المسلمين من الأندلس وسمى باسم (عبدالقادر الصوفي) ذلك الرجل الذى أسس الجماعة الإسلامية في غرناطة، و طرح فكرة بناء المسجد واستمر طيلة عشرون عاماً في محاولاته إلى أن حقق الله مراده ، وقد اشترى الأرض المخصصة للمسجد الليبي معمر القذافي ، وتمويل ملك المغرب الحسن الثاني يرحمهما الله. كان الفضل في اكتمال بناء الجامع بعد فضل الله تعالى يعود للشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة ، الذي تكفل ببناء الجامع ليكون منارة للإسلام ساهم في زيادة عدد المسلمين الذين تتراوح أعدادهم الآن 150) ألف) مسلم ، وهم في تزايد ، وقد كرم سموه بتقليد جائزة (مفتاح قصر الحمراء) من عمدة مدينة غرناطة الأسبانية، نظير جهوده لخدمة البشرية والإنسانية في الحفاظ على التراث والتاريخ في حي البيازين التاريخي، وترميمه لعدد من المباني التاريخية بالإضافة لبناء المسجد الجامع. وفي اليوم الثاني كانت للوفد المشارك زيارة لحي (البشرات) ذلك الحي الذي مازال شاهداً على مذابح محاكم التفتيش ، وتعذيب من بقى من المسلمين حتى أجبروا على تغيير ديانتهم ، مع بقاء الإسلام في قلوبهم. حي البشرات يحكي ثورة غرناطة بعد سنين من الظلم والاضطهاد الذي تعرض له (الموريسكيون) تحت الحكم النصراني ، فجدرانها وزقاقها تئن من الألم الذي تعرض له سكانها ، فقد فرضت عليهم القوانين التخلي عن ديانتهم ، وعروبتهم ، وأجبروا على تعلم اللغة القشتالية، والدخول في دين النصارى بعد أن خيرتهم ايزابيلا بين اعتناق النصرانية ، أو القتل ، أو الرحيل عن الأندلس. فقد طردت ثلاثة ملايين من المسلمين ، مما جعل بعضهم يظهر النصرانية ويبطن الإسلام كراهة، واستمر التعذيب للنساء والأطفال بوحشية ما أدي ببعضهم إلى الهروب إلى بلاد المغرب، إلى أن قام الشبان بثورة ضد القشتاليين بمساندة بعض المجاهدين المغاربة. فها هي غرناطة التي هدمت مساجدها ، ومنعوا من إقامة شعائر الإسلام لأكثر من 400 سنة وهاجر أهلها ، لكن صوت الإسلام رجع يصدح فيها من جديد، بعد جهود نشر التسامح والتقارب بين الأديان. كانت هناك احتفالية عشاء للمشاركين في مؤتمر جامعة غرناطة ، ذهب أغلب المشاركين مع عائلاتهم ؛ لكني آثرت البقاء فلا تروقني تلك السهرات ، وعزمت على التجول مترجلة في شوارع غرناطة لاستكشاف المزيد . على طول الطريق وفي الحواري الضيقة تنتشر المقاهي والمطاعم بما لذ وطاب من المأكولات، لا أخفيكم كان هدفي من تلك الجولة الوصول إلي مسجد الشيخ زايد يرحمه الله . وصلت إلى ميدان ايزابيلا الذي يتوسط مساحته تمثالها الضخم وبجانبها تمثالاً للمكتشف (كريستوف كلومبس)، وهو يشرح لها خطة رحلاته في اكتشاف الأمريكتين، وعلى الجوانب عدد من المحال المختلفة. ثم عرجت على كتدرائية غرناطة ، وحشود السياح حولها كبير ، وجدت في تلك المحال الشعبية في حواري المنطقة، عدد كبير من أنواع الشاي المختلفة بنكهات وخلطات عجيبة، شاي بالحبة السوداء، وشاي بالكركديه، وآخر بالمكسرات، وغيره بالفواكه، جلست عند أحد المقاهي لتناول الشاي الأحمر السادة فلا يروق لي تناوله بالمنكهات . أكملت السير وصولاً إلى شارع ( C.caldereeia Nueva ) وسط غرناطة الذي تقع على جوانبه المحلات التجارية، سمعت أصواتاً عربية تتهامس خلفي فعرفت أنهم عرب من بلاد المغرب ، أكملت المسير وولجت إلى أحد الأزقة التي تعج بالمارّة من مختلف الجنسيات ووفود سياحية مع المرشدين . وجدت ضالتي بعد المرور بحي (إلبيرة) أقدم أحياء غرناطة ، بشوارعه الضيقة ، وتراثه المعماري الفريد ، وجدير بالذكر أن مدينة إلبيرة هي تاريخ غرناطة المطمور بعد استيلاء البربر عليها أيام حروب الطوائف، وكانت مدينة إلبيرة هي أصل مدينة غرناطة، وتم هدمها وضياع آثارها ، التي بقيت بعضها معروضة في متحف العلوم بغرناطة حاليًا .
يتبع …


حي البشرات،حي البيازين،إيزابيلا،قصر الحمراء، حي البيرة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع