مدونة الدكتور محمد محمود كالو


مَتى يَكونُ قَوْلُ (أنَا) مِنَ الشَّيْطَانِ؟ (1)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


27/01/2024 القراءات: 183  


مَتى يَكونُ قَوْلُ (أنَا) مِنَ الشَّيْطَانِ؟ كثير من الناس يستخدم العبارة التالية: (أنا؛ وأعوذ بالله مِن كلمة أنا)! وهذه العبارة فيها تكلف غير مقبول، إذ مجرد قول العبد (أنا) لا يشرع الاستعاذة بالله تعالى منه، ولا حرج شرعاً في قول المتكلم (أنا) إذا لم يقصد به الكبر أو العجب أو الرياء أو تعظيم النفس. وقد حكى الله تعالى عن أنبيائه في كتابه أنهم كانوا يَستعملونه في كلامهم، ولا سيما فيما أمر الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ نحو قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: 110]، وقوله: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163]، وقوله: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]، وقوله: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:79]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر وأنا أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخر وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ولا فخر ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ) [أخرجه ابن ماجه برقم:3496]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا) [رواه البخاري برقم: 20]، وفي رواية: (أَنَا أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللهِ) [رواه أحمد برقم: 23682]. وكان السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم يقولون: (أنا) وربما كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينههم عنها، ومن المعلوم عند أهل العلم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وأن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يسكت على منكر، ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنكُمُ اليومَ مِسْكِينًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ) [رواه مسلم برقم:1028 ]. وقال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى عن عدد أصحاب الكهف: {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ} [الكهف:22]: قال: "أنا من أولئك القليل الذين استثنى الله، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم". [تفسير الطبري: 17/642]. وقد وقع مثل هذا لكثير من الصحابة والتابعين ولم ينكر بعضهم على بعض. وقد يقولها المرء في مقام التواضع والانكسار لله تعالى، والاعتراف بالذنب، والفقر والحاجة إلى رب العالمين، كما جاء في حديث الاستفتاح: (اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ) [رواه مسلم، برقم: 771]. وقد يقترن بقول كلمة (أنا)، ما يقتضي الذم على قوله، والتأديب عليه، والمنع منه، كأن تقال في معرض الكبر والعجب، وفي مثل ذلك المقام، وردت كلمة (أنا) عن الشيطان في قول الله تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ. قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [ص: 75-76]. ومن الكبر والعجب أن تعجبه نفسه من ثراء في الأراضي والمزارع، أو كثرة في المال والولد، فيتبختر ويتكبر ويفخر على الناس، مثل ذلك الرجل الذي قال الله تعالى فيه: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف:34]. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ طُغْيَانِ "أَنَا"، "وَلِي"، "وَعِنْدِي"، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ ابْتُلِيَ بِهَا إِبْلِيسُ وفرعون، وقارون، (فَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) لِإِبْلِيسَ، وَ(لِي مُلْكُ مِصْرَ) لفرعون، وَ(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) لقارون. وَأَحْسَنُ مَا وُضِعَتْ "أَنَا" فِي قَوْلِ الْعَبْدِ: أَنَا الْعَبْدُ الْمُذْنِبُ، الْمُخْطِئُ، الْمُسْتَغْفِرُ، الْمُعْتَرِفُ. وَنَحْوِهِ: "لِي"، فِي قَوْلِهِ: لِيَ الذَّنْبُ، وَلِيَ الْجُرْمُ، وَلِيَ الْمَسْكَنَةُ، وَلِيَ الْفَقْرُ وَالذُّلُّ. و"َعِنْدِي"، فِي قَوْلِهِ: "اغْفِرْ لِي جِدِّي، وَهَزْلِي، وَخَطَئِي، وَعَمْدِي، وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي". [زاد المعاد لابن القيم/ 2/ 434-435].


قَوْلُ (أنَا)، الشَّيْطَانِ، أَنَا أَتْقَاكُمْ، أنا النبي، أنا سيد، أنا أول


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع