مدونة أ.د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي


٢٩ فبراير اليوم المظلوم...

أ. د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي | Prof. Dr. Yasser Abdel-Fattah Abdel-Hadi


02/03/2024 القراءات: 144  




كثير من المتخصصين وغير المتخصصين كتبوا أمس ٢٩ فبراير ٢٠٢٤م عن ذلك اليوم (٢٩ فبراير) الذي لا يأتي إلا كل ٤ سنوات حسب التقويم المعمول للتقويم (أو التوقيت) الميلادي الجريجوري المعمول به عالمياً. وكثير منهم أخذهم الخيال إلى أن الحدث الذي يحدث في هذا اليوم لأي سنة لا يتم استعادة ذاكرته إلا كل ٤ سنوات مما أضفى على الموضوع نوعاً من الإثارة التي صوَّرت ذلك اليوم وكأنه سيختفي داخل ثقب أسود ثم يعود بعد أربع سنوات.

والحقيقة أن هذا الكلام هو من باب المجاز في الأمر لأن الواقع هو غير ذلك ، لأن الحقيقة تقول أن فارق اليوم الذي يجعل من شهر فبراير شهراً كبيساً ذا ٢٩ يوماً هو تراكم ربع يوم إلا قليلاً يحدث كفارق عشري بين إتمام الأرض دورتها حول الشمس وإتمامها لدورتها حول نفسها. وقد تم الاتفاق عليه ووضعه كَحّلٍّ يُجَنِّبُ انزياح التقويم عن دورته الموسمية حتى يبقى لكل وقت في السنة طابعه الموسمي الخاص من ناحية الأجواء لأسباب عقائدية تارةً أو تقليدية تارةً أخرى. وقد تمت تسمية هذا الإجراء (الكبس) أو (الإقحام) ، وهما الكلمتان اللتان تعبران عن حشو الفارق في التوقيت عن طريق (كبس) يومٍ إضافي فيه بيسد الفرق اللازم لإتمام الدورة الشمسية بالأيام (بإقحام) هذا اليوم الإضافي في هذا الشهر بالذات (الذي تم ظلمه تاريخياً بجعله أصلاً شهراً منقوصاً عن إتمام أيامه الثلاثين أسباب تعود إلى تجبر الأباطرة والقياصرة الرومان في الوقت الذي تمددت فيه إمبراطوريتهم لتسيطر على العالم أو شطره تقريباً).

لكن حقيقة الأمر تقول إن الأرض تعود إلى نفس مكانها (النسبي من الشمس) كل سنة وأن الذكرى تعود حتى لو لم يعد رقم اليوم في السنة لكن باختلاف الوقت الزمني داخل اليوم الأرضي وأن ما حدث في ساعة ما يوم ٢٩ فبراير لأي سنة تعود ذكراه التوقيتية الفعلية في ساعة ما يوم ١ مارس من السنة التالية ، حيث تكون الأرض قد دارت في مدارها حول الشمس دورة كاملة في ٣٦٥ يوماً وربع إلا قليلاً (٣٦٥,٢٤٢٢ يوماً).

هذا الكلام قد يرى فيه الكثير من الناس نوعاً من الرفاهية العلمية التي قد لا يكون من ورائها أدنى طائل ولا تفيد في أي أمر حياتي ، لكن الحقيقة هي أن هذا المبدأ القائم على موائمة التوقيت للمواسم (والذي يظن معه الناس أنه تقويم للدورات الفلكية لتتسق مع بعضها) سيحدث مع مرور الوقت تغييراً في البدايات الحقيقية للشهور عبر المواسم مما سوف ينعكس بالتالي على التعداد الحقيقي للسنين. وبالرغم من أن ذلك لن يحدث إلا بمرور المئات بل الآلاف من السنين إلا أنه يعتبر نوعاً من الحلول الوقتية التي لجأ إليها المُقَوِّمُون (جمع مُقَوِّم وهو الذي يقوم بتصميم التقويم و تنظيمه) تاركين حلاً سهلاً من نوع آخر وفي ذات الوقت يعتبر حلاً قديماً حديثاً معاً ، حيث أشارت بعض الآثار أن كثيراً من حضارات العالم القد قد لجأت إليه. هذا الحل هو استخدام التقويم القمري الذي تعتبر أهم مزاياه هي تصحيح السنة شهرياً في حال وقوع خطأٍ أو لبس في بداية أحد الشهور نتيجة لعدم توافق دورة القمر حول الأرض مع دروة الأرض حول نفسها ومع دورتها حول الشمس. فلو حدث - مثلاً - أن اختلف الناس في بداية أي شهر قمري نتيجة لتعذر رؤية الهلال (المُؤْذِن ببداية الشهر) لأي سبب فلكي أو جوي أو بيئي فإن الشهر التالي أو الذي يليه على الأكثر سيقوم بتصحيح التقويم من جديد وجبر الكسر المسسب للاختلاف مما يسبب جسر الهوة الناشئة بسببه. ومن ثَمَّ يستقيم التقويم من جديد.

هذه الفكرة قد تستدعي مني مقالاً منفردأ لاحقاً يتم تبيين مزايا كل تقويم فيه وكيف يعالج كل منها هذا الفرق الناشئ من دورات الأجرام سواء حول نفسها أو حول بعضها.

أ.د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي

رئيس معمل أبحاث الشمس

المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية

القاهرة في يوم الجمعة ٢٠ شعبان ١٤٤٥هـ الموافق ١ مارس ٢٠٢٤م


التقويم - التقويم الشمسي - التقويم الميلادي - السنة الكبيسة - 29 فبراير - تصحيح التقويم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع