مدونة أ.د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي


تعامد الشمس على معبدي الكرنك بالأقصر وسوبك (قصر قارون) بالفيوم بمصر

أ. د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي | Prof. Dr. Yasser Abdel-Fattah Abdel-Hadi


20/12/2020 القراءات: 906  


غداً بمشيئة الله الحادي والعشرين من شهر ديسمبر سيكون المهتمون بعلوم الفلك والآثار والفلك الأثري على موعد مع ظاهرة تعامد الشمس على معبدين من أهم معابد الحضارة المصرية القديمة وهما معبدا (الكرنك) بمدينة الأقصر و(سوبك أو قصر قارون) بالفيوم.

ومن الواضح جداً أن كلا المعبدين قد تم تصميمهما وبناؤهما على أساس فلكي ثابت ، وهو شروق الشمس يوم الانقلاب الشتوي يوم 21 ديسبمر ، على الرغم من أن زمن الانقلاب الشتوي لا يتفق تماماً مع موعد شروق الشمس في الموقعين المقام عليهما كلا المعبدين ، حيث سيحدث هذا العام في تمام الساعة 12:02 من ظهر نفس اليوم بتوقيت القاهرة.

بالنسبة لمعبد الكرنك فإن شروق الشمس سوف يكون في الساعة 6:31 صباح يوم 21 ديسمبر وسيرتفع قرصها فوق الأفق تماماً بعد دقيقتين (في تمام الساعة 6:33 صباحاً) ، عندئذٍ ستكون زاوية انحرافها الأفقية عن الشمال الجغرافي (الحقيقي) هي 115.9 درجة باتجاه عقارب الساعة ، وهذه الزاوية هي نفس زاوية انحراف المعبد الذي يبدو أن موقعه وزاوية انحرافه قد تم اختيارهما بعناية ليحققا هذا الظاهرة في هذا التوقيت بالذات. عقب ارتفاع الشمس عن الآفق قليلاً (وبحسب درجة صفاء الجو وانفتاح الأفق) سوف يتسلل شعاعها الشفقي الأحمر وكأنه يمدُّ بساطاً أحمر يليق بدخول موكبها عبر طريق الكباش المؤدي إلى المحور الرئيسي من المعبد ليدخل إلى قدس الأقداس لتتحد الصفتان هناك (آمون (التي تعني الخفي) ورع (التي تعني الظاهر)).

أما بالنسبة لمعبد سوبك (أو قصر قارون كما درجت تسميته) فإن شروق الشمس سوف يكون في تمام الساعة 6:48 صباح يوم 21 ديسمبر وسيرتفع قرصها فوق الأفق تماماً بعد ثلاث دقائق (في تمام الساعة 6:51 صباحاً) ، عندئذٍ ستكون زاوية انحرافها الأفقية عن الشمال الجغرافي (الحقيقي) هي 116.91 درجة باتجاه عقارب الساعة ، وهذه الزاوية هي كذلك نفس زاوية انحراف المعبد التي يُظن كذلك أن موقعه وزاوية انحرافه قد تم اختيارهما بعناية ليحققا هذا الظاهرة في هذا التوقيت بالذات.

وعن اختيار هذا التوقيت بالذات للاحتفال به في الحضارة المصرية القديمة فمن الواضح أن الشمس كانت تلعب الدور الرئيس في طقوس عقيدة تلك الحضارة كما هي الحال في يومنا هذا (حيث يتم تحديد وقت الشعائر الإسلامية بناء على حركتي الشمس والقمر). والاحتفال بهذه الظاهرة يؤكد لنا أنه تم تحديد يوم وموعد الانقلاب الشتوي تحديداً دقيقاً.

لكن لماذا الانقلاب الشتوي تحديداً دون غيره؟.

الإجابة عن هذا السؤال تكمن في المعرفة الفلكية الناتجة عن الملاحظة والمشاهدة الفلكية أو ما نسميه اليوم الرصد طويل المدى لمواقع الأجرام السماوية. فمن المعلوم - فلكياً - أن لحظة الانقلاب الشتوي في نصف الكرة الأرضية الشمالي تحدث عندما تكون الأرض في أقرب نقطة إلى الشمس عبر دورتها السنوية حولها. ولذلك يبدو قرص الشمس أكبر بعض الشيء ظاهرياً عنه في سائر أيام السنة ، وهو ما يستدعي ويستحق الاحتفاء به وخاصة أنه يحين في وقت تبرد فيه الأجواء وتحتاج الأرض إلى نوره وفيئه (على عكس ما يحدث في نصف الكرة الأرضية الجنوبي الذي يكون هناك انقلاب صيفي فيه). ولذلك كان هذا اليوم هو يوم عيد وصلاة - حسب ما يُعتقد عن هذه الحضارة - ويجدر فيه التوجه ناحية الشمس لتحيتها عند الشروق ، وبالتالي هو ما جعل القائمين على بناء المعبدين يختارون هذين المكانين وهاتين الزاويتين لتوجيههما توجيهاً دقيقاً فيما يشبه توجيه المساجد نحو قبلة المسلمين (مكة المكرمة).

كل هذه الثقافة الكامنة في أعمال وإنجازات هذه الحضارة العظيمة تؤكد تقدمها ورقيها المعرفي والعلمي القائم على الأرصاد والمشاهدات الدقيقة وتؤكد أصالتها وجذورها المضروبة في عمق التاريخ والتي أتاحت فضاءً واسعاً باستمراريتها لمثل هذه المعرفة التي تُرجمت إلى هذه الأعمال وغيرها.

على أن هذه الظواهر لم يقتصر دورها على تأكيد ما ذهبنا إليه تاريخياً من الناحية العلمية فحسب ، بل امتد دورها إلى محاولة فك رموز التاريخ نفسه وإكمال حلقاته المفقودة من خلال محاولات معرفة الزمن الحقيقي لبناء هذه الآثار وظروف إنشائها والخلفية العقائدية وراء إنشائها. أما في عصرنا الحديث فقد امتد دورها كذلك إلى إلهام مصممي المباني في تصميم وبناء وتوجيه مبانيهم المعتمدة على الظروف المحيطة من ناحية الإضاءة والتدفئة والتبريد لتنشاً ثقافة ما تسمى (المباني الصديقة للبيئة) التي يعتمد تصميمها على تقليل استخدام الطاقة الأحفورية ذات التكلفة العالية بالاعتماد على طاقة المكان من ناحية الضوء والحرارة ما أمكن. وهذا المجال حالياً يُعتبر من المجالات الخصبة الثرية التي ما زلنا نعكفُ عليها لتحسين ظروف الحياة المعيشية بأقل تكلفة ممكنة.

د. ياسر عبد الهادي

معمل أبحاث الشمس

قسم أبحاث الشمس والفضاء

المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية

#أحداث_فلكية

#أحداث_فلكية_في_2020م

#تعامد_الشمس_على_المعابد_المصرية_القديمة

#معبد_الكرنك

#تعامد_الشمس_على_معبد_الكرنك

#معبد_سوبك

#تعامد_الشمس_على_معبد_سوبك

#معبد_قصر_قارون

#تعامد_الشمس_على_معبد_قصر_قارون


الفلك الأثري - الحضارة المصرية القديمة - معبد الكرنك - معبد سوبك - معبد قصر قارون - تعامد الشمس


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع