مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


من رسالة الإمام مالك لهارون الرشيد (1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


27/11/2022 القراءات: 491  


✍️ ( من رسالة الإمام مالك لهارون الرشيد )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد : فإني كتبت إليك بكتاب لم آلك فيه رشدا ، ولم أدخرك فيه نصحا ، تحميدا لله ، وأدبا عن رسول الله -  - فتدبره بعقلك ، وردد فيه بصرك ، وأرعه سمعك ، ثم اعقله بقلبك ، وأحضره فهمك ، ولا تغيبن عنه ذهنك .
فإن فيه الفضل في الدنيا ، وحسن ثواب الله تعالى في الآخرة ، اذكر نفسك في غمرات الموت وكربه ، وما هو نازل به منك ، وما أنت

موقوف عليه بعد الموت من العرض على الله سبحانه ، ثم الحساب ثم الخلود بعد الحساب .
وأعد الله عز وجل ما يسهل به عليك أهوال تلك المشاهد وكربها فإنك لو رأيت أهل سخط الله تعالى وما صاروا إليه من ألوان العذاب وشدة نقمته عليهم ، وسمعت زفيرهم في النار وشهيقهم مع كلوح وجوههم وطول غمهم ، وتقلبهم في دركاتها على وجوههم لا يسمعون ولا يبصرون ، ويدعون بالويل والثبور
وأعظم من ذلك حسرة إعراض الله تعالى عنهم ، وانقطاع رجائهم وإجابته إياهم بعد طول الغم بقوله : ﴿ اخسؤوا فيها ولا تكلمون ﴾ .
لم يتعاظمك شيء من الدنيا إن أردت النجاة من ذلك ولا أمتلك من هوله ، ولو قدمت في طلب النجاة منه جميع ما ملك أهل الدنيا - كان في معاينتك ذلك صغيرا .
ولو رأيت أهل طاعة الله تعالى وما صاروا إليه من كرم الله عز وجل ومنزلتهم مع قربهم من الله عز وجل ونضرة وجوههم ، ونور ألوانهم ، وسرورهم بالنعيم المقيم ، والنظر إليه والمكانة منه .
لتقلل في عينك عظيم ما طلبت به صغير ما عند الله ، ولصغر في عينك جسيم ما طلبت به صغير ذلك من الدنيا .
فاحذر على نفسك حذرا غير تغرير ، وبادره بنفسك قبل أن تسبق إليها ، وما تخاف الحسرة منه عند نزول الموت ، وخاصم نفسك على مهل وأنت تقدر بإذن الله على جر المنفعة إليها ، وصرف الحجة عنها قبل أن يتولى الله حسابها .

ثم لا تقدر على صرف المكروه عنها واجعل من نفسك لنفسك نصيبا بالليل والنهار ، وصل من النهار اثنتي عشرة ركعة ، واقرأ فيهن ما أحببت ، إن شئت صلهن جميعا ، وإن شئت متفرقات ، فإنه بلغني عن النبي -  - أنه قال : « من صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة » .
اللهم ثبت إيماننا بك وبملائكتك وكتبك ورسلك واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وقال رحمه الله : وصل من الليل ثمان ركعات بجزء من القرآن ، وأعط كل ركعة حقها ، والذي ينبغي فيها من تمام الركوع والسجود ، وصلهن مثنى مثنى ، فإنه بلغني عن النبي -  - : أنه كان يصلي من الليل ثمان ركعات ، والوتر ثلاث ركعات سوى ذلك يسلم من كل اثنتين .
وصم ثلاثة أيام من كل شهر : الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر ، فإنه بلغني عن النبي -  أنه قال : « ذلك صيام الدهر » .
وأعط زكاة مالك طيبة بها نفسك حين يحول عليه الحول ولا تؤخرها بعد حلها ، وضعها فيمن أمر الله تعالى ، ولا تضعها إلا في أهل ملتك من المسلمين ، فإنه بلغني عن النبي -  - أنه قال : « إن الله تعالى لم يرض من الصدقة بحكم نبي ولا غيره حتى حدها هو على ثمانية أجزاء . قال عز وجل : ﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ﴾ .

واحجج حجة الإسلام من أطيب مالك ، وأزكاه عندك ، فإن الله تعالى لا يقبل إلا طيبا ، وبلغني أن قوله تعالى : ﴿ فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه ﴾ غفر له .
مر بطاعة الله وأحبب عليها ، وانه عن معاصي الله تعالى ، وأبغض عليها ، فإنه بلغني عن النبي -  - أنه قال : « مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، فإنما هلك من كان قبلكم بتركهم نهيهم عن المعاصي ، ولم ينههم الربانيون والأحبار » .
فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر من قبل أن ينزل بكم الذي نزل بهم ، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقدم أجلا ، ولا يقطع رزقا .
أحسن إلى من خولك الله تعالى ، واشكر تفضيله إياك عليهم ، فإنه بلغني عن النبي -  - أنه كان يصلى فانصرف ، وقال : « أطت السماء وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه جبهة ملك ساجد ، فمن كان له خول فليحسن إليه ، ومن كره فليستبدل ، ولا تعذبوا خلق الله » .
الزم الأدب من وليت أمره وأدبه ، ومن يجب عليك النظر في أمره ، فإنه بلغني عن النبي -  - أنه قال للفضل بن العباس : « لا ترفع عصاك على أهلك ، وأخفهم في الله » .
لا تستلم إلى الناس واستجرهم في طاعة الله ، لا تغمص الناس واخفض لهم جناحك ، فإنه بلغني عن النبي -  - أنه قال :« ألا أحدثكم بوصية نوح ابنه . قال : آمرك باثنين ، وأنهاك عن اثنين : أمرك بقول لا إله إلا الله ، فإنها لو كانت في كفة والسماوات والأرض في كفة وزنتها ، ولو وضعتها على حلقة قصمتها .
وقل : سبحان الله وبحمده فإنها عبادة الخلق ، وبها تقطع أرزاقهم ، فإنهما يكثران لمن قالها الولوج على الله عز وجل ، وأنهاك عن الشرك والكبر ، فإن الله محتجب عنهما فقال له بعض أصحابه : أمن الكبر أن يكون لي الدابة النجيبة ؟ قال : لا . قال : أمن الكبر أن يكون لي الثوب الحسن ؟ قال : لا . قال : أفمن الكبر أن يكون لي الطعام أجمع عليه الناس ؟ قال : لا .
إنما الكبر أن تسفه الحق ، وتغمص الخلق ، وإياك والكبر والزهو ، فإن الله عز وجل لا يحبهما ، وبلغني عن بعض العلماء أنه قال : « يحشر المتكبرون يوم القيامة في صور الذر تطؤهم الناس بتكبرهم على الله عز وجل » .


من رسالة الإمام مالك لهارون الرشيد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع