مدونة فاطمة عيسى محمد


حب الأندلس من كتابي غراس الحب

الدكتورة : فاطمة عيسى محمد | Dr.fatma Essa Mohammad


16/12/2024 القراءات: 16  


كان موقع الفندق استراتيجياً في وسط مدريد بالقرب من القصر الملكي، وكتدرائية سانتا ماريا (المودينا) وتحيط به جُلّ الخدمات والمطاعم، وتقع أمامه حديقة كبيرة تتناثر فيها تلك التماثيل العملاقة لملوك تلك الحقبة من الزمان ، وعرجنا على (muslims walls ) وهي عبارة عن بعض الجدران الباقية من التراث الإسلامي ، وتظهر على أجزاء منها الأقواس والنقوش والزخارف الإسلامية كتلك التي اشتهرت بها قرطبة.

تلك رحلتي إلى أسبانيا لحضور مؤتمر في جامعة غرناطة، بعد أن أقلتنا السيارة إلى الفندق الذي بدا من الوهلة الأولى أنه بناية سكنية ، لكن لابأس به ، سنبيت فيه ليلة واحدة ثم ننتقل إلى غرناطة بالقطار مروراً بقرطبة.

تجولنا في حديقة (باركي ديل أوستي) التي بجوارالقصر حتى وصلنا إلى ( معبد ديبود) وهو نصب تذكاري لمعبد فرعوني تم إعادة بنائه في الهواء الطلق ، تظهر فيه العمارة الفرعونية ، يقال أن الحكومة المصرية أهدته إلى أسبانيا عام 1968 م ، وكانت فكرة أحد وزراء الثقافة في عهد عبد الناصر ، لمشاركة المجتمع الدولي في إنقاذ معابد النوبة بعد بناء السد العالي ، وتبنت منظمة اليونسكو العالمية مشروع الإنقاذ .

اتفقنا على أن نجوب بأقدامنا منطقة الفندق فكل شيء قريب ، استأجرنا عربة ذات الثلاث عجلات من تلك العجلات المتراصة على جانب قصر مدريد الملكي (قصر الشرق) ويبدوا أن المرشد السياحي لا يعرف العربية ، ولغته الإنجليزية ركيكة ، لكن تمكنا من فهمه بصعوبة و جاب بنا المنطقة القريبة ، ومر بنا إلى بعض الزقاق الضيقة التي تحمل مسميات عربية الأصل

ثم عدنا لدخول القصر الملكي الذي يعود تاريخه للقرن الثامن عشر ، ويبهرك بلونه الأبيض وأحجاره الرخامية يقع في قلب العاصمة مدريد بناه الملك ( فليب الخامس ) واستمر بناؤه من عام 1735م ، بعد أن دمر الحريق القصر الملكي القديم عام 1734م ، وانتهى بناؤه عام 1751م ،على طراز العمارة الكلاسيكية على يد عدد من المهندسين الأسبان.


ويعتبر المقر الرئيسي لملوك أسبانيا ، تقام فيه الاحتفالات الرسمية أما الآن فقد تحول لمزار ومعلم سياحي بارز وسط مدريد، وطبعاً كانت هناك طوابير طويلة من السياح من كل مكان تنتظر دورها للدخول .

القصر يُعد تحفة معمارية ، يبهرك القصر بمساحاته الواسعة (135000 ) متر مربع ، ويحتوى على ما يقارب 3400)) غرفة، وبه (240) شرفة تحكى تفاصيل الملكية في أوربا ، والديكورات والتصاميم الفيكتورية بألوان مختلفة ، بالإضافة إلى الأثاث والســـــــــجاد الفاخر والتحف، وتتعجب من بقائها على حالها وحفاظها على رونقها منذ القرن الثامن عشر حتى الآن .

التجول في القصر يحتاج إلى لياقة وهمة نظراً للمساحات الواسعة ، ولك أن تتخيل ذلك المنظر في ساحة القصر الخارجية وقت الغروب بين القصر والكتدرائية، خاصة لهواة التصوير، والفنانين.

في الجهة الأخرى من القصر توجد العديد من الحدائق الشاسعة بمساحاتها الخضراء على مد البصر ، وأشهرها حديقة (ساباتينى) التي تتوسطها النوافير الكبيرة ، وأحواض المياه، والتحف وتماثيل الحكام الأسبان، وأشجار الفاكهة، إنه بحق عالم آخر من الفن والجمال.

وبعد عبورك للشــــارع الرئيسي أمام القصر (C.de Bailen ) تجد أمامك العديد من المقاهي الشهيرة والجلسات الخارجية حتى تصل إلى دار الأوبرا أو (المسرح الملكي) الذى يتوسط الساحة أمامه تمثال (Isabel ) وما أكثر تماثيلها في كل بقعة، كيف لا وهى ملكتهم التي كانت تحكم صقلية ، وقشتالة ، وليون ، حتى استلمت آخر معاقل الإسلام غرناطة من حكامها بنى الأحمر فيما سمى بحروب الاسترداد، حكمت البلاد مع فرناندو بعد سقوط بلاد الأندلس .

تجد في طريقك بعض المطاعم العربية حيث تضمن الطعام الحلال ، وقد وجدنا ضالتنا في مطعم (KEBAP ) حيث الشاورما والفلافل والمقبلات العربية ، والكباب المشوي.

مررنا على عجالة بساحة أسبانيا الكبرى (plaza de Espana) يتوسطها تمثال الكاتب المسرحي والروائي (ثيربانتس) صاحب الرواية العالمية الشهيرة (دونكيشوت) وبجانبه خادمه (سانجلي) وقد شيد التمثال من الحجر والبرونز وهو يمتطي فرسه عام 1916 م.

وتوجد في الساحة أكواخ خشبية لبيع المنتجات المختلفة واللوحات الفنية، وتحيط بالساحة المباني الشاهقة والمحلات التجارية وتعج الساحة بالسياح ، وتخليداً للكاتب الشهير تقام في هذه

الساحة بالقرب من التمثال معارض الكتب في شهر مارس من كل عام ، وشدني منظر تمثال لامرأة قروية بلباس محتشم تحمل وعاءً ، تبين لي أنها رمز لزوجة دونكيشوت بالإضافة لتمثال آخر يمثل شخصية أميرته الخيالية ، كما يوجد تمثال لامرأة أسبانية تحمل في يدها كتاباً رمزاً لثقافة الأسبان ، وفي قمة النصب توجد كرة حولها تماثيل تمثل القارات الخمس .

هناك العديد من الأماكن في مدريد لكن الوقت لم يتسع لزيارتها خلال يوم واحد .

رجعنا متعبين حيث حطت بنا الرحال إلى المقهى القابع أمام الفندق تناولنا بعض الكعك والقهوة ودخلنا إلى الفندق لنرتاح من عناء تلك الجولة الشاقة مشياً على الأقدام ، لنرتاح استعداداً للسفر إلى غرناطة.

في اليوم التالى أقلقنا القطار من مدريد حيث محطة (Madrid Atocha ) متجهين إلى قرطبة ثم غرناطة ، وهناك فوج آخر من المشاركين وصلوا إلى مطار مالقة ثم توجهوا بالقطار إلى غرناطة.

تزامن موعد المؤتمر مع إجازة رسمية في غرناطة، ذكرى عند النصارى الرومان في الأندلس ، وهي ذكرى استرداد غرناطة كما يزعمون ، استردادها من المسلمين بعد أن بقيت حوالى ثمانية قرون في قبضة المسلمين فشيدوا فيها القصور والمآذن ، الأفلاج ، حتى غدت تحفة معمارية لامثيل لها في أوربا، ونشروا فيها فنون العلم، والشعر، والفقه، والطب في كل البقاع.

وفي لحظات من الوهن وحروب مملكة الطوائف ضعفت الدولة وتمزقت، وسهُل على النصارى الضغط على الخليفة لتسليم البلاد

…يتبع


الأندلس،مدريد،، جامعة غرناطة، القصر الملكي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع