مدونة الأستاذ الدكتور لخضر بن الحمدي


من ضوابط فهم السنة النبوية: التفريق بين دلالات الأحاديث المطّردة وبين الدّلالات التدبيرية المؤقتة

أ.د لخضرحمدي لزرق | Dr.lakhdar ben hamdi lazreg


31/07/2023 القراءات: 275  


أيّها الأكارم: هناك ضوابط متعددة تتعلق بفهم السنّة النبوية الشريفة، من هذه الضوابط: التفريق بين دلالات الأحاديث المطّردة وبين الدّلالات التدبيرية المؤقتة، فالمتأمِّل فيما ورد من أحاديث وروايات؛ سيجد أنها تضمّنت الكثيرا من المعاني التي ارتبطت بمناطات مؤقتة، ودلالات غير مقصود بها الدوام والتأبيد، مما يدل على أنها تشريع مؤقت أو مرتبط بأحوال معيَّنة، أو شروط مادية أو معنوية خاصة.
إنّ كثيرًا من الدارسين لم يهتمّوا بمسألة الفرز والتمييز بين أبعاد شخصية رسول الله (ص)، بين دوره كرسول مبلِّغ، ودوره كقائد مدبِّر ومدير لشؤون المجتمع الذي يقوده، وبناءً على ذلك لم يصنّفوا الأحكام النبوية، ورأوا أنّ كلّ حكم صدر من رسول الله (ص) فهو تشريع ديني دائم، وملزم للمسلمين في مختلف الظروف والأوضاع، إلّا إذا قام دليل واضح على خلاف ذلك، وينطلقون في ذلك من قاعدة الاشتراك في الأحكام بين الناس على نحو العموم الأزماني والأحوالي، ومن قاعدة الاستصحاب، فنستصحب بقاء الحكم الذي ثبت صدوره حتى يثبت لنا نسخه وتغييره، بالإضافة إلى أدلة أخرى يستندون إليها.
ويرى الشيخ محمد مهدي شمس الدين أنّ مساحة الأحكام التدبيرية في نصوص السنة أكبر مما يبدو في الفقه المتداول، يقول: لا بُدّ من إعادة النظر فيما يعتبره معظم الفقهاء الأصوليين من السنّة حكماً شرعيًّا إلهيًّا، بينما كثير منها، أعنى نصوص السنة، لا تتضمن أحكاماً شرعية إلهية، بل تتضمن ما أسمّيه تدبيرات، وهي أحكام تنظيمية إدارية، وقد درج الفقهاء على اعتبار هذه أحكامًا شرعية؛ وهي ليست كذلك، ولها أمثلة كثيرة جداً في الشريعة والاستنباط الفقهي، وهذه نظرة شائعة عند جميع فقهاء المذاهب، إنّ المنهج الأصولي هو الذي أدّى إلى تكوين هذه النظرة، فإنّ المنهج يقضي بأن كلّ ما يعتبر سنة هو وارد لبيان الحكم الشرعي الإلهي.
ولعلّ منشأ هذا الخلل، في المنهج، هو قضية مسلّمة عند الأصوليين والفقهاء، وهي وظيفة النبي (ص) في أن يبين الأحكام الشرعية، وغفلوا عن أن من جملة مناصب النبي أنه كان حاكم دولة، كان قائد مجتمع، إنه ربُّ أسرة، إنه عضو في مجتمع، وإنه إنسان يتفاعل مع محيطه وحياته ومع معاشريه من الناس، ومن هذه المنطلقات كلها، وفي هذه الأطر كلها، كان الرسول يقول ويفعل ويقرر، فاعتبار أنّ قول الرسول وفعله وتقريره سنَّة صحيح، ولكن تصنيف هذا القول وهذا الفعل وهذا التقرير بحسب جوانب الحياة التي كان الرسول الأكرم (ص) يتفاعل معها، فهذا ما يبدو أنهم غَفلوا عنه.
والحاصل أنّ في السنّة بعضا من الروايات دلت القرائن السياقية والظرفية على أنه لا يقصد منها التأبيد والاطّراد، وبالتالي مراعاة هذا الضابط مهم؛ لئلا يُتخذ من هكذا روايات تدبيرية مؤقتة، معنى للتشريع العام.
ومن الأمثلة على هذا الضابط: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «كنا نخرج زكاة الفطر، صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أَقِط، أو صاعا من زبيب».
فإخراج زكاة الفطر قيمة هو الأوفق وهو الذي يتماشى مع روح الدين، ذلك أن الحديث معَلَّل "بالإغناء"، والإغناء يحصل بالقيمة، بل هي أتمَّ وأوفر وأيسر؛ لأنها أقرب إلى دفع حاجة الفقير؛ إذ تمكّنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس مما هو محتاج إليه، وفي هذا رعاية لمقصود النّص النبوي، وتطبيق لروحه، وهذا هو الفقه الرشيد، الذي يربط النصوص الجزئية بمقاصدها الكلية.
ومن الأمثلة ما يتعلق بالزي واللباس وطرائق الأكل، وبنظام البيوع والمعاملات، والحكم، والسياسة، والاقتصاد وغيرها.


ضوابط، فهم السنة، السنة التدبيرية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع