مدونة الأستاذ الدكتور لخضر بن الحمدي


العبادة لإقامة الدنيا وعمارة الآخرة

أ.د لخضرحمدي لزرق | Dr.lakhdar ben hamdi lazreg


23/06/2019 القراءات: 2610  


الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله! همّ الله: العبادُ ومصلحتُهم في الدنيا والآخرة، وليس بخاف على أحد أن الرب عز وجل غني عن العباد وما يقدمونه من قربان وقربات، فالله! لن يناله لحومُ الأضاحي وما يقدم من أنساك ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منا، وجماع ما في التقوى؛ هو التقوي على إصلاح الدنيا والمضي إلى إصلاح الآخرة كذلك.
أيها المسلمون: ما يعتقده الناس في الله تعالى، وما يتقربون به إليه من عبادات، وما يحصل بينهم من معاملات، إنما شُرع.. لا من أجل إقامة طقوس، ونذور، وحركات جوفاء، يُهتم فيها بالشكل والمظهر، وإنما شرعها الله تعالى من أجل أن يُقام من ورائها الجوهر والمقصد، شرعها لإصلاح دنيانا، والعيش من خلال توحيده تعالى عبادا متقاربين، ومتعاونين ومتوحدين: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ، وعرّفنا على نفسه من خلال أسمائه وصفاته، لا لتكون منبرا للاختلاف، والحكم على الناس؛ بالتفسيق، والتبديع، والتكفير، وإنما تعرّف إلينا بها لنتمثل ما تحويه من محمولات في حياتنا الدنيا، فاسم العفوّ لله تعالى، يقتضي أثرا دنيويا الذي هو صفة العفو، قال تعالى: (والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) وهكذا القول في بقية الأسماء، والصفات.
مالك يوم الدين وملكُه، إنما يتمظهر في تعاملات الناس وأخلاقهم، وملكية الله لهذا العالم والعالم الأخروي، ليست كحال ملوك الدنيا، التي تقتضي إذلالا وإخضاعا، وطقوسا تبرز الجانب السلبي من العبودية لهذا الملك أو ذاك، إنما مَلَكية الله على عباده؛ تصور لنا جانبا من أساليب التربية التي نهجها الله لإصلاح الناس والمجتمعات والأمم، من استعمال أسلوبي الترغيب والترهيب، فحيثما كان الظلم والاستعباد بين الناس كان اسم الملك الديان قائما واضحا في وجه المعتدي، والأظهر جدا أن الله يمهل بعض الظالمين ليتوب ويؤوب، وملوك الدنيا لا تفعل ذلك أبدا، فشتان بين رعي الله لعباده، ورعي العباد لبعضهم!
رعاية المقاصد في ما شرع الله من عبادات ومعاملات واعتقادات، لا بد أن يتفطن له القاصي والداني، وأن على الناس الاهتمام بما أراده الله من تشريع ما ذُكِر، فصلاح دنيا الناس، واستقامت معاشهم ومعادهم، وثبات التعايش بين مختلف الأطياف، والنزوع عن مقتضيات التضييق في إقامة العبادة، والاهتمام بشكلها من غير النظر إلى ما جاءت من أجله من تحقيق مقاصد راقية، وأهداف سامية؛ يعدّ عبثا لا طائل من ورائه، والواقع يصدق ذلك.
يقول تعالى: (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) ، وقال أيضا: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم).
أقول هذا القول...
الخطبة الثانية
أما بعد: الاهتمام بعمارة الدنيا؛ استخلافا وعيشا ومغالبة، هو من صميم ما أمر الله به، وحثّ عليه، وأنزل آدم من أجله، والعزوف عن ذلك لأجل الآخرة، قفز على المعقول، وتجاوز لسنن كونية، لا يمكن أن تقبل أبدا، ومن أجل هذا عمر الله دنيانا بأنواع شتى من التكاليف؛ جعلها كوسائل لإقامة الدنيا وعمارتها، والتمتع بما خلق فيها، ضمن مسار الحب والتعاون، والخير، وكل المحمولات المحمودة، التي تنبئ عن مكارم الأخلاق، وقد قال الأول: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) في توازن محمود بين الدنيا والآخرة، تحصل به السعادة، وتتقوّم به النفوس.


العبادة، إقامة، عمارة، الدنيا والآخرة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع