مدونة ا.م.د. شيماء رشيد محمد زنكنة


مصطلح النص في الدراسات اللسانية الحديثة

أ.د. شيماء رشيد محمد زنكنة | Prof. Dr. Shaima Rashid Mohamed Zangana


09/10/2020 القراءات: 3336  


إنَّ مصطلح النصُّ في الدراسات اللسانية الحديثة يشكِّلُ مفهوماً مركزياً في الدراسات اللسانية المعاصرة؛ إذ اختصَّت الدراسات التي تهتمُّ بالنصّ باسم: ( علم النصِّ)، أو ( علم لغة النصّ)، أو (علم اللغة النصِّي)، أو (نظرية النصّ)، أو (نحو النصِّ)، أو (لسانيات النصّ)، وكلُّها تتفق على ضرورة مجاوزة (الجملة) في التحليل النحوي واللغوي والتوجه نحو فضاء أرحب وأوسع وهو (الفضاء النصِّي)، وقد عدَّت خولة طالب الإبراهيمي الاتجاه إلى النصِّ فتحاً جديداً في اللسانيات الحديثة؛ إذ يُعدُّ تحولاً أساسياً حدث في السنوات الأخيرة، لإخراجه اللسانيات نهائياً من مأزق الدراسات البنيوية التركيبية التي عجزت عن الربط بين مختلف أبعاد الظاهرة اللغوية.
وبذلك نجد أنَّ اللسانيات النصِّية الحديثة قد تجاوزت البنية اللغوية الصغرى- الجملة- إلى بنية لغوية أكبر منها في التحليل هي النصّ.
تنوَّعت تعريفات النصّ في اللسانيات النصِّية المعاصرة بتنوّع التخصصات العلمية، والاتجاهات والمدارس المختلفة. إذ نجد تعريفات عديدة للنصِّ (Text) تشرح مفهوم النصّ، وهنالك تعريفات أخرى تبرز الخواص النوعية الماثلة لبعض أنواعه، إلَّا أنَّنا لا نجد تحديداً قاطعاً واضحاً بمجرد إيراد التعريف، فثمَّة اختلاف شديد بين الاتجاهات المتعددة التي أسهمت كلها في نشأة هذا العلم - النفسي، والاجتماعي، والفلسفي، والأسلوبي, و...الخ - . فلا يوجد تعريف معترف به من لدن الباحثين في اتجاهات علم لغة النصّ بشكل مطلق، ولم يستقر علماء النصّ على تعريف محدّد للنص.
والجدير بالذكر أنَّ الاختلاف في التعريف بمصطلح النصّ ليس بدعاً في الدراسات اللغوية، بل في العديد من العلوم ، ولاسيما في بدء نشأتها، وهذا أمرٌ طبيعي، أمر عدم الاستقرار على التعريف بالمصطلحات، وطبيعة العلوم وأهدافها، ...، والتعدد في تعريف مصطلح النصّ... كان موجوداً أيضاً في تعريف مصطلح الجملة"عند نحاة العربية قديماً وحديثاً.
إنَّ تعريفَ النصّ أمرٌ صعب: "لتعدد معايير هذا التعريف، ومداخله، ومنطلقاته، وتعدد الأشكال والمواقع والغايات التي تتوافر فيما نُطْلِق عليه اسم (نص)". ولأجل ذلك تنوَّعت تعريفات النصّ وتعدَّدت، فبعض تعريفات النصّ تعتمد على مكوَّناته الجملة وتتابعها، وبعضها يزيد على تلك الجمل الترابط، وبعض آخر يعتمد على التواصل النصِّي والسياق والمخاطب.
فيرى الباحثان هاليداي ورقيَّة حسن أنَّ النصَّ "يستخدم في علم اللغة للإشارة إلى أي فقرة منطوقة أو مكتوبة مهما طالت أو امتدت ... والنصُّ وحدة اللغة المستعملة وليست محدَّدة بحجمه... والنصُّ يرتبط بالجملة بالطريقة التي ترتبط بها الجملة بالعبارة".
فهناك تعريفات ركَّزت على الاتساق أو الانسجام والترابط بين أجزاء النصّ وعناصره، فذهب بعض علماء النصّ في ضوء ذلك إلى أنَّ النصَّ: "متتالية من الجمل بينها علاقة من العلاقات، ومتى انعدمت هذه العلاقة لا يبقى هناك نصٌّ".
فالنصُّ عند هبلش:"تتابع متماسك من الجمل"، وحدَّ برينكر النصَّ في ضوء ذلك بأنَّه: "تتابع متماسك من علامات لغوية، أو مركبات من علامات لغوية لا تدخل ... تحت أي وحدة لغوية أخرى". فالنصُّ في ضوء هذا التعريف أكبر وحدة لغوية لا تدخل تحت أي وحدة لغوية أخرى أكبر منها ويُخلص من ذلك أنَّ الجملة بوصفها جزءاً صغيراً ترمز إلى النصِّ، ويمكن تحديد هذا الجزء بوضع نقطة أو علامة استفهام أو علامة تعجب، ثمَّ يمكن بعد ذلك وصفها بأنَّها جزء مستقل.
فهذه التعريفات للنص ترتكز على خاصيتين أساسيتين أحدهما: التركيب – الجانب البنائي التركيبي - لكونه متتالية من الجمل، وهي قائمة على مستوى الشكل، والأخرى: الانسجام والاتساق الذي يربط دلالياً بين عناصر النصّ.
هناك من ربط النصّ بالجانب الاتصالي التداولي ومن هؤلاء شميت الذي حدَّ النصَّ قائلاً بأنَّه: "كل جزء لغوي منطوق من فعل التواصل في حدث التواصل يحدَّد من جهة الموضوع، ويفي بوظيفة تواصلية يمكن تعرُّفها، أي يحقِّق كفاءة إنجازية يمكن تعرُّفها". وعلى هذا نتوصل إلى أنَّ النصَّ منطوق لغوي في حالة اتصال وعلاقة مباشرة بين المبدع أي منشئ النصّ و مخاطبه. ومن الذين عرَّفوا النصَّ من الجانب التداولي جان ماري سشايفر بقوله: "سلسلة لسانية محكيِّة، أو مكتوبة وتشكِّل وحدة تواصلية، ولا يهم أنْ يكونَ المقصودَ هو متتالية من الجمل، أو من جملةٍ وحيدة، أو جزءٍ من الجملة". ومن ذلك أيضا تعريف آخر لبرينكر حاول فيه الجمع بين الجانب التركيبي اللغوي والجانب التواصلي التداولي، وذلك من خلال وصف النصّ بأنَّه وحدة لغوية وتواصلية في الوقت نفسه، فالنصّ عنده في ضوء هذا التوجه: "تتابعٌ محدودٌ من علامات لغوية متماسكة في ذاتها، وتشير بوصفها كلَّاً إلى وظيفة تواصلية مدركة".
ومن التعريفات الجامعة للنص التي تضم كلًّ المحاولات السابقة في حدِّ النصِّ من حيث تركيزه على التماسك والاتساق والجانب التداولي والاتصالي والتناص التعريف الذي قدَّمه روبرت دي بوجراد ودريسلر للنصِّ من خلال المعايير السبعة التي وضعاها؛ لتحديد النصّ وكون نصِّيَّة النصِّ لا يمكن تحديدها إلا بتوافر معايير سبعة فالنصُّ: حدثٌ تواصلي يلزم كونه نصَّاً أنْ تتوافر له سبعة معايير مجتمعة، وهذه المعايير هي: السبك أو الربط أو الالتحام أو الاتساق، والحبك أو الانسجام، والقصد، والمقبولية، والإخبارية، والمقامية أو الموقفية، والتناص.
وهذه المعايير السبعة التي هي معايير نصِّية، لا بدَّ من توافرها مجتمعةً في أيِّ نصٍّ لكي يتسم بالنصِّية، وإذا فُقِد أحدها في النصِّ خرج عن حدود النصِّية، الذي استقرَّ عليه علماء النصِّ مؤخراً.
الذي أراه في هذا التعريف أنَّه شامل؛ ذلك أنَّه لا يلغي أحد أطراف الحدث الكلامي في التحليل، فهو يجمع بين المتكلم، والمخاطب، والسياق، وأدوات الربط اللغوية الشكلية والدلالية، ومن هنا يتضح أنَّ المدخل السليم للتحليل النصِّي هو التحليل المبني على رؤية شاملة تتوافر فيها كل عناصر النصِّية من متكلم ومخاطب وسياق وعناصر الربط اللغوي ووضعها تحت مجهر التحليل النصِّي.


اللسانيين، النص، الداراسات، الانسجام، معايير، التداولية.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع